من هو عدونا اليوم يا دولة الرئيس؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/29 الساعة 23:46

مدار الساعة - بقلم : المحامي بشير المومني

عزيزي دولة الرئيس ..

سأروي لكم قصة حدثت معي شخصيا استدعيها من ذكريات تفجيرات عمان الآثمة عام 2005 حيث كان مكتبي لا يبعد عن احد الفنادق التي تعرضت للهجوم الارهابي سوى مئات الامتار واتذكر تماما كيف كانت استجابة الدفاع المدني خلال دقيقتين فقط من وقوع التفجيرات ولا زالت الذاكرة ايضا تستدعي الموقف الشعبي البطولي عند الشدائد وكيف ظهر معدن المواطنين الاردنيين ليؤكد بأن هنالك جيشا يقف خلف الجيش لا بل ويتقدمه عند الضرورة ..

في تلك اللحظات تلقيت اتصالا هاتفيا من شقيقتي (أروى) رحمها الله تعالى وقد كانت تشغل موقع (مديرة التمريض) في مستشفى الاستقلال وهي خريجة مدرسة الفداء والشهامة والتخطيط السليم قواتنا المسلحة / الخدمات الطبية الملكية وقد طلبت مني الحضور فورا قبل اغلاق الموقع أمنياً..

عندما تلقيت الاتصال كنت اعتقد ان شقيقتي - والتي توفاها الله فيما بعد بمرض السرطان - كانت قلقة على شقيقها من أي تداعيات محتملة وخلال أقل من ربع ساعة كنت قد وصلت لمنزلها وفوجئت بأنها قد تحضرت للنزول الى الميدان قاطعة اجازتها وتركت اطفالها وصعدت للسيارة وقالت لي انطلق بأقصى سرعة نحو المستشفى ..

في الطريق كانت تتصل بجميع كوادر المستشفى وتوزع الادوار وتستدعي من هم في المنازل وعند وصولنا لأول حاجز أمني وقبل ان انطق بكلمة كانت تتحدث الى رجال الأمن بقولها ( زميلتكم اروى المومني متقاعدة من الخدمات ومديرة تمريض مستشفى الاستقلال باتجاه الواجب) وكانت الحواجز تفتح فورا فللقوات المسلحة شيفرة وكلمة سر قادرة على تحقيق المستحيل (واجب) ..

اوصلتها لباب طوارئ الاستقلال وقالت لي رحمها الله (خلص توكل على الله ودير بالك على البنات..) وعندما عادت للمنزل في ساعات متأخرة كانت مشاعرها مثلما وصفها جلالة الملك تماما في فاجعتنا بالبحر الميت ( حزن شديد حد الاجهاش في البكاء ولكن ايضا غضب أكبر وأشد .. ) لكن بالنتيجة ولأنها ابنة قواتنا المسلحة وقد جرى تأهيلها بشكل علمي لمثل هكذا حالات استطاعت ان تساهم بشكل فعال في احداث فارق في الازمة وانقاذ العديد من الارواح ..

اتساءل كثيرا لماذا تنجح قواتنا المسلحة عندما يفشل الآخرون واعيد النظر في تاريخنا لاجد ان كل قصة نجاح ونهضة اردنية كانت قواتنا المسلحة من جيش وامن عام ومخابرات ودرك ودفاع مدني تقف خلفها لسبب عميق ذلك انها تعتمد التخطيط الاستراتيجي للحالة الوطنية الشمولية وهي كوادر منظمة ومدربة ومجهزة وتقوم نمطية ادارة الازمة لديها على منع وقوعها ابتداءا وفي حال وقوع الازمة فلديهم اجراءات محددة ( كود ) يتم التدرب عليه وتطبيقه وهذا ما ينقص كوادر الدولة المدنية ..

اليوم ثمة أسئلة تدور في ضمير كل أردني يتوجب الاجابة عليها وهي :-

1- هل كان بالامكان منع وقوع فاجعة البحر الميت !!؟؟
2- لماذا لم يتم منع وقوع هذه الكارثة !!؟؟
3- لماذا وقعت وكيف وقعت الفاجعة وأسبابها !!؟؟
4- كيف يمكن ان نمنع تكرارها مستقبلا !!؟؟
5- ما هي اجراءات ادارة الازمة في حال تكرار ما حصل او ما يشابهه !!؟؟
6- نطاق الواجب وجهات الاختصاص والعمليات المشتركة !!؟؟
7- تحمل المسؤولية الفعلية المباشرة وغير المباشرة عن نتائج الازمة ومن ثم تحمل المسؤولية الأدبية

هذه الاسئلة تحتاج للأجابة عليها فرق فنية متخصصة لا تتوافر في معالي الوزراء ولا في التحقيق الجنائي الذي تقوده النيابة العامة للتعامل مع الحدث كقضية جنائية لا يمكن تحديد نطاق وعناصر المسؤولية الناشئة عنه الا بمثل هكذا تقرير أما الجهات القادرة على تقديم تقرير فني بهذا المعنى هي القوات المسلحة وبيوت الخبرة ( النقابات ) حيث يستوجب ذلك تشكيل فريق عمل مهني مشترك متخصص قادر على استظهار جميع الحقائق..

في العام 2005 كان العدو واضحا جدا يا دولة الرئيس ووقف كل الاردنيين لاسناد وطنهم ومن نافلة القول التذكير بقول جلالة الملك أن هيبة الدولة هي هيبة الشعب وهيبة المواطن الأردني وآخر ما نحتاجه اليوم هو الصاق التهم بالاخرين أو نفي مسؤولية الحكومة عما حصل او اصدار قرارات عبثية مثل منع الرحلات واغلاق المدارس و.. و.. عدونا اليوم هي العشوائية وعدم التعامل مع الفاجعة بشكل علمي مدروس وتبادل الاتهامات بلا انتاجية تذكر والتنصل من المسؤولية وهذا أمر مرفوض تماما حيث ان هيبة الدولة اليوم تقتضي شجاعة تحمل المسؤولية الادبية منها على الاقل ووضع الوزراء المعنيين استقالتهم بتصرف الشعب الاردني ولعلنا لسنا بحاجة للتذكير بأن جلالة الملك وانتم ايضا يا دولة الرئيس من هذا الشعب الاردني العظيم ففي اللحظة التي نصل بها لتحمل المسؤولية بشكل علمي وأدبي صحيح نصنع لانفسنا هيبة الدولة او سنكون نحن بذاتنا اعداء الدولة ..

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/29 الساعة 23:46