هلوسات قاتلة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/25 الساعة 00:41
منحت منصات التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة على شبكة الانترنت، جميع الناس حق التعبير والتدوين، فساوت في حقوق النشر بين العالم والجاهل، وبين المختل والعاقل، لكنها في المقابل افترضت بالمتابعين والمتواصل من بني البشر النصح والرشاد والمعرفة البسيطة للتمييز بين الهلوسات والآراء والأخبار الصحيحة والقابلة للتصديق.
يفاجأ المرء أحيانا بأصدقاء بلغوا من التعليم والمعرفة درجات متقدمة، يتناقلون قصصا مفبركة وأخبارا زائفة على أنها حقائق دامغة. وأكثر ما يستهوي عقولنا أبناء العروبة تلك القصص المستندة لنظرية المؤامرة. ثمة رغبة عجيبة بالتسليم بهذا النوع من الأخبار، رغم تناقضها في حالات كثيرة مع أبسط الحقائق المعروفة والموثقة.
يميل البشر بطبعهم لتصديق الروايات السيئة عن الآخرين، ويجدون في ذلك فرصة للتعبير عن سخطهم وكراهيتهم، ليبدوا جميعا كما لوكانوا قديسين، وأشخاصا مثاليين لم يرتكبوا في حياتهم هفوة واحدة.
لم أصدق أن بعضا منا أخذ على محمل الجد رواية متخيلة عن مسؤولين تآمروا لإعطاء طلاب إحدى المدارس مطاعيم فاسدة انتقاما لشخص يدعي الاختلاف مع هؤلاء المسؤولين!
بالفعل صدق أناس كثيرون الرواية وتناقلوها، وربما يكون البعض يشكك في داخله بصحتها، لكن شكوكه لم تردعه عن إرسالها للعشرات من أصدقائه على "الواتساب".
وبسهولة فائقة تبنى المئات من الأشخاص قصة ليس لها أساس عن عمل مدبر يقف خلف وفاة مؤسفة لشباب قبل أيام. إذا امعنت النظر في عناصر القصة، ستكتشف بثوان بأنها غير قابلة للتصديق إطلاقا، لكن حب الإثارة والرغبة باختلاق قضية رأي عام دفعت الكثيرين إلى ترويجها والتعليق عليها، لا بل وبناء استنتاجات مرعبة، لو أن الجهات الرسمية تفاعلت معها لشهدنا أزمة كبرى.
الجريمة التي راح ضحيتها لواء متقاعد من دائرة المخابرات العامة من خيرة الرجال الذين خدموا شعبهم ووطنهم وحمى أهله من شرور الإرهاب والإرهابيين، المرحوم حابس الحنيني، هي مثال كارثي على جريمة ارتكبت استنادا لأوهام وهلوسات، ظل القاتل يروجها على مواقع التواصل الاجتماعي لسنوات، حتى بلغ فيه الهوس حد ارتكاب جريمته النكراء.
هذا النوع من الجرائم النفسية يحدث كثيرا في بلدان العالم، لكن الجديد فيها هو في دور منصات التواصل في تغذية الشعور والرغبة بارتكابها. المنشورات التي كتبها المجرم على موقع "الفيسبوك" وما كانت تلقاه من تفاعل، منحته شعورا بالثقة والطاقة المريضة للإقدام على فعلته، باعتبارها فعل انتقام مشروع لسردية نسجها من خياله، قائمة على الكراهية والحقد.
في السنوات القليلة الماضية، برزت على نحو لافت حالات الانتحار الإلكتروني. العشرات يوثقون بالصوت والصورة والبث المباشر عملية انتحارهم. ورصد خبراء التحليل النفسي على صفحات المنتحرين، كيف تنامت الرغبة بالموت والانتحار عند هؤلاء في سياق نشاطهم التفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي.
لقد أعطتنا ثورة التكنولوجيا والإنترنت، مساحة عظيمة للمعرفة والاتصال مع العالم،واكتساب الخبرات والمهارات، وبناء الثروات أيضا، لكنها في ذات الوقت عَرت ذواتنا، وقدمت لنا أسوأ من فينا وما فينا. الغد
يفاجأ المرء أحيانا بأصدقاء بلغوا من التعليم والمعرفة درجات متقدمة، يتناقلون قصصا مفبركة وأخبارا زائفة على أنها حقائق دامغة. وأكثر ما يستهوي عقولنا أبناء العروبة تلك القصص المستندة لنظرية المؤامرة. ثمة رغبة عجيبة بالتسليم بهذا النوع من الأخبار، رغم تناقضها في حالات كثيرة مع أبسط الحقائق المعروفة والموثقة.
يميل البشر بطبعهم لتصديق الروايات السيئة عن الآخرين، ويجدون في ذلك فرصة للتعبير عن سخطهم وكراهيتهم، ليبدوا جميعا كما لوكانوا قديسين، وأشخاصا مثاليين لم يرتكبوا في حياتهم هفوة واحدة.
لم أصدق أن بعضا منا أخذ على محمل الجد رواية متخيلة عن مسؤولين تآمروا لإعطاء طلاب إحدى المدارس مطاعيم فاسدة انتقاما لشخص يدعي الاختلاف مع هؤلاء المسؤولين!
بالفعل صدق أناس كثيرون الرواية وتناقلوها، وربما يكون البعض يشكك في داخله بصحتها، لكن شكوكه لم تردعه عن إرسالها للعشرات من أصدقائه على "الواتساب".
وبسهولة فائقة تبنى المئات من الأشخاص قصة ليس لها أساس عن عمل مدبر يقف خلف وفاة مؤسفة لشباب قبل أيام. إذا امعنت النظر في عناصر القصة، ستكتشف بثوان بأنها غير قابلة للتصديق إطلاقا، لكن حب الإثارة والرغبة باختلاق قضية رأي عام دفعت الكثيرين إلى ترويجها والتعليق عليها، لا بل وبناء استنتاجات مرعبة، لو أن الجهات الرسمية تفاعلت معها لشهدنا أزمة كبرى.
الجريمة التي راح ضحيتها لواء متقاعد من دائرة المخابرات العامة من خيرة الرجال الذين خدموا شعبهم ووطنهم وحمى أهله من شرور الإرهاب والإرهابيين، المرحوم حابس الحنيني، هي مثال كارثي على جريمة ارتكبت استنادا لأوهام وهلوسات، ظل القاتل يروجها على مواقع التواصل الاجتماعي لسنوات، حتى بلغ فيه الهوس حد ارتكاب جريمته النكراء.
هذا النوع من الجرائم النفسية يحدث كثيرا في بلدان العالم، لكن الجديد فيها هو في دور منصات التواصل في تغذية الشعور والرغبة بارتكابها. المنشورات التي كتبها المجرم على موقع "الفيسبوك" وما كانت تلقاه من تفاعل، منحته شعورا بالثقة والطاقة المريضة للإقدام على فعلته، باعتبارها فعل انتقام مشروع لسردية نسجها من خياله، قائمة على الكراهية والحقد.
في السنوات القليلة الماضية، برزت على نحو لافت حالات الانتحار الإلكتروني. العشرات يوثقون بالصوت والصورة والبث المباشر عملية انتحارهم. ورصد خبراء التحليل النفسي على صفحات المنتحرين، كيف تنامت الرغبة بالموت والانتحار عند هؤلاء في سياق نشاطهم التفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي.
لقد أعطتنا ثورة التكنولوجيا والإنترنت، مساحة عظيمة للمعرفة والاتصال مع العالم،واكتساب الخبرات والمهارات، وبناء الثروات أيضا، لكنها في ذات الوقت عَرت ذواتنا، وقدمت لنا أسوأ من فينا وما فينا. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/25 الساعة 00:41