خطاب ملكي مختلف
لا يحتاج المراقب إلى طويل عناء، حتى يصل إلى نتيجة واضحة وقاطعة، مفادها أن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين قدم في افتتاحه للدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر خطاباً مختلفاً بكل المقاييس، فجلالته لم يتحدث في خطاب العرش بلسان الحكومة، ولم يعرض برنامج عمل الحكومة، كما جرت العادة في خطب العرش، بل إن جلالته لم يستخدم مصطلح "حكومتي" مطلقاً في هذا الخطاب كما جرت العادة في خُطب العرش أيضاً.
في افتتاحه للدورة البرلمانية تحدث جلالته بلسان الوطن والمواطن، لا بلسان حكومة بعينها، ومن ثم فقد جاء خطاب العرش هذه المرة مختلفاً،لأنه قدم برنامجاً لإعادة بناء الدولة والوطن تجاوز فيه جلالتة الحديث عن برنامج حكومي قصير المدى..
لقد بنى جلالته في خطاب العرش الأسبوع الماضي برنامج إعادة أبناء الدولة الأردنية، بعد تشخيص دقيق من جلالته للحالة الوطنية التي وصلنا إليها، من خلال متابعة دقيقة لهذه الحالة وهو ما أكده جلالته عندما قال " من خلال متابعتي اليومية لقضايا الوطن والمواطن، وجدت حالة من عدم الرضا عن آليات التعامل مع بعض تحديات الحاضر. فالأردن مثل غيره من الدول شابت مسيرة البناء والتنمية فيه يعض الأخطاء والتحديات" ومضى جلالته في تشخيصه للحالة الوطنية قائلاً " .. وعدم الرضا هذا هو مع الأسف، ناتج عن ضعف الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، والمناخ العام المشحون بالتشكيك الذي يقود إلى حالة من الإحباط والإنسحاب" غير أن جلالته لم يتوقف عند حدود توصيف الحالة كما يفعل الكثيرون من المسؤولين،بل وضع لكل علة من علل حالتنا الوطنية علاجها، فعلاج علة الأخطاء التي وقعت في مسيرتنا الوطنية هو " أن نتعلم منها لضمان عدم تكرارها" أما علاج عدم الرضا وضعف الثقة’ والمناخ العام المشحون بالتشكيك فيكمن بالإيمان بأن " الأوطان لا تبنى بالتشكيك وجلد الذات، ولا بالنيل من الإنجازات أو إنكارها، بل بالمعرفة والإرادة والعمل الجاد"لذاك توجه جلالته إلى كل الأردنيين قائلاً " انصفوا الأردن وتذكروا إنجازاته حتى يتحول عدم رضاكم عن صعوبات الواقع الراهن إلى طاقة تدفعكم إلى الأمام، فالوطن بحاجة إلى سواعدكم وطاقاتكم لتنهضوا به إلى الأعلى".
ومثلما شخص جلالته الحالة الوطنية تشخيص النطاسي البارع، واصفاً لها علاجها الذي يجب أن نعمل عليه خلال الفترة المقبلة، حتى يتعافى وطننا، فقد حدد جلالته مراحل هذا العلاج وأدواته وأهمها التوافق الوطني والعمل بروح الفريق، وجلالته بهذا التحديد للمراحل والأدوات يضع يده على المكمن الأساسي لعلتنا الوطنية، وهو غياب التوافق الوطني لحساب الهويات الفرعية والأجندات الخاصة سواء كانت هويات أو أجندات جهوية أو عرقية، وهي الهويات والأجندات التي لا يقل خطرها عن خطر، داء "الأنا" المتضخمة والفردية التي سيطرت على العمل العام في بلدنا بشقيه العام والخاص، وهي الفردية التي تقف حجر عثرة أمام نشوء عمل مؤسسي يقوم على برامج واضحة ومحددة نابعة من حاجتنا الوطنية وبيئتنا الوطنية.
ومثلما قدم جلالته في خطاب العرش الأسبوع الماضي تشخيص للحالة الوطنية وعللها وعلاج هذه العلل، فقد قدم جلالته أيضاً صورة للنموذج الذي يجب أن يكون عليه الأردن دولة رسالة يحكمها القانون، دولة منسجمة من أجل رفاهية إنسانها الذي هو محور وجودها فهل نشمر عن سواعد الجد لنكون بمستوى طروحات وطموحات قائد الوطن فنبني في واقعنا النموذج الذي قدمه لنا جلالة قائدنا؟ (الرأي)
Bilal.tall@yahoo.com