تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث.. العراق: الطريق الدامية إلى الانتخابات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/16 الساعة 11:33
مدار الساعة - بعد أشهر من جمود سياسي، فرضته معركةُ الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، يتجدد الحراكُ السياسي اليوم في العراق، ولكن بطريقة دامية وعنيفة. فقد تصدت قوات الأمن بالرصاص الحي لتظاهرة احتشد فيها عشرات الألوف من المواطنين يطالبون بـ "استبدال مفوضية الانتخابات"، و"تعديل قانون الانتخابات"؛ ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى ومئات الجرحى.
صراع مبكر على الانتخابات
بقدر ما تبدو تظاهرة 11 شباط/ فبراير الدامية وسط بغداد استمرارًا لحركة الاحتجاج المطالِبة بإصلاح سياسي جذري، والتي انطلقت منذ صيف 2015، فإنه لا يمكن فهمها إلا من خلال سياقها السياسي الخاص وهو بدء السباق نحو استحقاقين انتخابيين مهمين: مجالس المحافظات (أيلول/ سبتمبر 2017)، والانتخابات النيابية (ربيع 2018)، وبدء الاستعداد لإجرائهما، على مستوى المفوضية والبرلمان والحكومة. وهذا يعني أن ما يجري الآن هو منازلة انتخابية مبكرة حول أدوات الانتخابات وقواعدها. وفي هذا السياق، أقيمت التظاهرة، وردت قوات الأمن عليها بهذا العنف.
ففي مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2016، قدمت الحكومةُ مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات الى مجلس النواب. وقد شكّل مجلس النواب لجنة من 26 نائبًا، تحت اسم "لجنة الخبراء"، لتتولى اختيار أعضاء مجلس المفوضين لمفوضية الانتخابات. وفي أواسط كانون الثاني/ يناير 2017، أعلنت الحكومة، بصفة رسمية، عن إرجاء انتخابات مجالس المحافظات، وإجرائها في أيلول/ سبتمبر 2017 بدلًا من نيسان/ أبريل. وبالتوازي مع ذلك، طُرحت فكرتان:
• التمديد لمجلس المفوضين للانتخابات، حتى يتمكن من الإشراف على انتخابات مجالس المحافظات؛ إذ تنتهي ولاية هذا المجلس في شهر إقامة الانتخابات (أيلول/ سبتمبر 2017)، وهو ما يعني إمكانية أن يتمدد إشراف المجلس الحالي إلى الانتخابات النيابية القادمة (ربيع 2017).
• اعتماد صيغة موسعة من نظام سانت ليغو (في طريقة توزيع الأصوات على المقاعد)، تكون بمنزلة عتبة مرتفعة، تحرم الكتل الصغيرة من الحصول على المقاعد، وتعيد تدوير أصوات ناخبي الكتل التي لا تتمكن من تخطيها على الكتل الكبرى، بما يكرس سيطرتها. وعلى الرغم من أن أحزاب السلطة ترى أن اعتماد صيغة سانت ليغو الموسّعة سيسهم في تجنب هشاشة الحكومات بتقليل عدد الكتل الصغيرة، فإن طرح الفكرة أثار جدلًا واسعًا بين الأطراف السياسية.
في هذا السياق، قدّم مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، يوم 13/1/2017، مبادرة سمّاها "إصلاح الانتخابات وانتخاب الإصلاح". وقد دعت في أبرز بنودها إلى "تشكيل لجنة عليا مشتركة من مجلس النواب وبعثة الأمم المتحدة وممثل عن القضاء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني تتولى اختيار أعضاء مفوضية الانتخابات"، علاوة على تعديل قانون الانتخابات بحيث تُوزَّع نصف مقاعد مجلس النواب على الصعيد الوطني، والنصف الآخر على صعيد المحافظات، وأن يتم اعتماد نظام سانت ليغو غير المعدل، هذا إلى جانب عنصرين آخرين لافتين: أن يُجرى التصويت الخاص في يوم الاقتراع العام نفسه، وأن تُفرز أصوات كل محافظة وتُعلَن نتائجها داخل المحافظة نفسها. ودعت المبادرة أيضًا إلى تشكيل لجان قضائية عليا للإشراف على الانتخابات، وإلى "ضرورة وجود إشراف أممي" عليها.
وقد لجأ التيار الصدري إلى دعم هذه المبادرة من خلال سلسلة تظاهرات في العاصمة بغداد وأغلب مدن وسط البلاد وجنوبها، انتهت بتظاهرة 11 شباط/ فبراير الدامية، والتي تعني إخراج السجال السياسي من دوائر المؤسسات السياسية، والتعويل على الجمهور من أجل الضغط لتحقيق هدف سياسي محدد.
صراع شيعي وأكثر
لم ينقطع مطلبُ استبدال مفوضية الانتخابات وإعادة هيكلتها وتعديل قانون الانتخابات عن الحراك الاحتجاجي منذ الصيف الماضي، حين كفّ الحراكُ عن الدعوة إلى "انتخابات مبكرة"، وطوّر رؤية في إصلاح الأداة الانتخابية الحالية. وهي رؤية طوّرتها الركيزتان الأساسيتان للحركة الاحتجاجية: الحراك المدني والتيار الصدري؛ وأصبحت شعارًا مركزيًا يُرفع في سائر جُمع الاحتجاج، وفي سائر محافظات البلاد، عبر النصف الثاني من سنة 2016. وفي أواخر أيلول/ سبتمبر 2016، دعا الصدر في خطبة الجمعة في مسجد الكوفة إلى "تغيير مفوضية الانتخابات المسيّسة وقانون الانتخابات المُجحف"؛ بما يسمح بـ "تغيير الوجوه الفاسدة والبائسة لتحصيل أغلبية إصلاحية يستطيع من خلالها فسطاط الإصلاح تغيير واقع العراق المريض وإنقاذه من الاحتلال والميليشيات والإرهاب والفساد".
وفي الحقيقة، لا تقتصر هذه الرؤية (لا إمكانية للإصلاح قبل إصلاح مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات) على التيار الصدري والحراك المدني فحسب، بل تتشاركها مجموعة من الأطراف والفواعل السياسية، غير أن ما يميز التيار الصدري والحراك المدني هو أنهما جعلا هذه الرؤية في صُلب الحراك الاحتجاجي.
وبكلمة، جمعت هذه اللحظة، في سلة واحدة، أكثر من موقف ناقد لقواعد العملية الانتخابية في العراق، مثل:
• مرجعية النجف، والتي يبدو أنها تطمح إلى صعود تيار شيعي بديل من الأحزاب والتنظيمات القائمة (التي كانت قد أسهمت هي في صعودها)، وترى أن هذا الأمر غير ممكن من دون تفكيك سيطرة هذه الأحزاب على العملية الانتخابية.
• التنظيمات السياسية التي ترى في تعديل النظام الانتخابي مصلحة لها؛ إذ قد يفضي إلى تحسين مواقعها في خريطة مجلس النواب المقبل، من قبيل تيار إياد علاوي، والذي ربما كان من أوائل التنظيمات التي طالبت بتعديل النظام الانتخابي، وبأن تُجرى الانتخابات بإشراف دولي؛ وبعض التيارات السياسية الصغيرة، من قبيل الحزب الشيوعي الذي يطالب بجعل البلاد دائرة انتخابية واحدة، ما قد يضمن له عددًا محدودًا من المقاعد بتحقيق نسبة صغيرة على المستوى الوطني.
• التيار الصدري الذي تنطلق سياساته من مناهضة شديدة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو - وإن كانت له بعض الحظوة في مفوضية الانتخابات - يعتقد أن جزءًا أساسيًا ممن يديرون الدوائر الأكثر أهمية في المفوضية لا يزالون يوالون المالكي؛ ومن ثمّ، يمكن عدّ المفوضية واحدة من معاقل المالكي، أو من "دولته العميقة"، وقد مدّ، خلال سنوات حكمه الثماني، شبكة تغلغلت في سائر مفاصل الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية والأمنية، ولا تزال هذه الشبكة قائمة وفاعلة حتى بعد خروجه من الحكم. لذلك، تأتي المطالب بتغيير مفوضية الانتخابات استمرارًا لهذا الصراع.
• رئيس الوزراء العبادي الذي يعتقد أنه يستعد لخوض الانتخابات في قائمة منفصلة عن حزب الدعوة و"ائتلاف دولة القانون"، وهو يدرك أن شبكة المالكي المسيطرة على مفاصل رئيسة في مفوضية الانتخابات قد تقف عائقًا بينه وبين تحقيق مكاسب انتخابية لافتة، ولا سيما أنه يتوقع أن يستثمر النصر على داعش لخدمة حملته الانتخابية. ولعل جزءًا مهمًا من دوافع التقارب الأخير بين العبادي والصدر يعود إلى محاولة بناء تفاهم على إصلاح قواعد العملية الانتخابية. وقد التقى الرجلان أواخر السنة الماضية، بعد فترة قصيرة من إرسال الحكومة مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات إلى مجلس النواب، وقبل أن يعلن الصدر مشروعه لإصلاح الانتخابات.
بهذا المعنى، يمثّل الصراعُ الحالي استمرارًا للصراع داخل الساحة السياسية الشيعية، وهو يدور على إشكالية رئيسة، هي تعريف "الحكم الشيعي" في بلد متعدد الأديان والمذاهب والإثنيات، ونوع هذا الحكم، وكيفية إدارة الدولة. وقد تعمق الصراع، أكثر فأكثر، حين حمّل أحدُ الطرفين الآخر وطريقته في إدارة البلاد مسؤولية التركات والفشل الذي طبع ما يمكن أن يسمى "حكم الشيعة"، والذي انتهى إلى سيطرة "داعش" على ثلث مساحة البلاد، وثمة خطر أن تسيطر المليشيات الشيعية على البلاد، فتمنع حتى التعددية القائمة في الساحة الشيعية أو تحددها.
والصراع على الانتخابات هو عنصر أساسي في هذا الصراع، ذلك أن ضمان الانتخابات هو ما يمكن أن يقود إلى الإصلاح، بتعبير الصدر.
خاتمة
على الرغم من أهمية الجوهر الشيعي لهذا الصراع، فإن وجود "الحراك المدني" يبقى أمرًا أساسيًا؛ فمع أن الأمر بدا قدرةً من تنظيم سياسي ديني على تعبئة "الحراك المدني" في خدمة أهدافه الخاصة، فإن واقع الحال هو أن الرؤية المتعلقة بصيانة قواعد العملية الانتخابية جرت بلورتها بين الطرفين (الحراك المدني والتيار الصدري). ومنذ نحو سنة ونصف السنة، يخوض الطرفان ما يمكن تسميته "تحالفًا احتجاجيًا"، بدأت ملامحه تتبلور أكثر فأكثر. وقد تكون الحملة الأخيرة لاستبدال مفوضية الانتخابات وتغيير قانون الانتخابات هي المنجز الأكبر أهمية لهذا التحالف.
ومن ثم، قد لا يكون مفيدًا، من الآن، فهم الحراك السياسي القائم استنادًا إلى منطق التنظيمات التي ترفع الهوية الطائفية فقط؛ إذ يبدو أن القوى الأخرى (حالة "الحراك المدني" هنا) قد نجحت في كسر الحدود الصارمة التي تقيد التنظيمات ذات الهوية الطائفية، وجرها إلى الاندراج في ما يمكن تسميته "المجال الوطني العام". وبالتأكيد، سيكون لهذه الديناميكية، لاحقًا، تعبيرات أشد جرأة وأكبر أهمية.
صراع مبكر على الانتخابات
بقدر ما تبدو تظاهرة 11 شباط/ فبراير الدامية وسط بغداد استمرارًا لحركة الاحتجاج المطالِبة بإصلاح سياسي جذري، والتي انطلقت منذ صيف 2015، فإنه لا يمكن فهمها إلا من خلال سياقها السياسي الخاص وهو بدء السباق نحو استحقاقين انتخابيين مهمين: مجالس المحافظات (أيلول/ سبتمبر 2017)، والانتخابات النيابية (ربيع 2018)، وبدء الاستعداد لإجرائهما، على مستوى المفوضية والبرلمان والحكومة. وهذا يعني أن ما يجري الآن هو منازلة انتخابية مبكرة حول أدوات الانتخابات وقواعدها. وفي هذا السياق، أقيمت التظاهرة، وردت قوات الأمن عليها بهذا العنف.
ففي مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2016، قدمت الحكومةُ مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات الى مجلس النواب. وقد شكّل مجلس النواب لجنة من 26 نائبًا، تحت اسم "لجنة الخبراء"، لتتولى اختيار أعضاء مجلس المفوضين لمفوضية الانتخابات. وفي أواسط كانون الثاني/ يناير 2017، أعلنت الحكومة، بصفة رسمية، عن إرجاء انتخابات مجالس المحافظات، وإجرائها في أيلول/ سبتمبر 2017 بدلًا من نيسان/ أبريل. وبالتوازي مع ذلك، طُرحت فكرتان:
• التمديد لمجلس المفوضين للانتخابات، حتى يتمكن من الإشراف على انتخابات مجالس المحافظات؛ إذ تنتهي ولاية هذا المجلس في شهر إقامة الانتخابات (أيلول/ سبتمبر 2017)، وهو ما يعني إمكانية أن يتمدد إشراف المجلس الحالي إلى الانتخابات النيابية القادمة (ربيع 2017).
• اعتماد صيغة موسعة من نظام سانت ليغو (في طريقة توزيع الأصوات على المقاعد)، تكون بمنزلة عتبة مرتفعة، تحرم الكتل الصغيرة من الحصول على المقاعد، وتعيد تدوير أصوات ناخبي الكتل التي لا تتمكن من تخطيها على الكتل الكبرى، بما يكرس سيطرتها. وعلى الرغم من أن أحزاب السلطة ترى أن اعتماد صيغة سانت ليغو الموسّعة سيسهم في تجنب هشاشة الحكومات بتقليل عدد الكتل الصغيرة، فإن طرح الفكرة أثار جدلًا واسعًا بين الأطراف السياسية.
في هذا السياق، قدّم مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، يوم 13/1/2017، مبادرة سمّاها "إصلاح الانتخابات وانتخاب الإصلاح". وقد دعت في أبرز بنودها إلى "تشكيل لجنة عليا مشتركة من مجلس النواب وبعثة الأمم المتحدة وممثل عن القضاء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني تتولى اختيار أعضاء مفوضية الانتخابات"، علاوة على تعديل قانون الانتخابات بحيث تُوزَّع نصف مقاعد مجلس النواب على الصعيد الوطني، والنصف الآخر على صعيد المحافظات، وأن يتم اعتماد نظام سانت ليغو غير المعدل، هذا إلى جانب عنصرين آخرين لافتين: أن يُجرى التصويت الخاص في يوم الاقتراع العام نفسه، وأن تُفرز أصوات كل محافظة وتُعلَن نتائجها داخل المحافظة نفسها. ودعت المبادرة أيضًا إلى تشكيل لجان قضائية عليا للإشراف على الانتخابات، وإلى "ضرورة وجود إشراف أممي" عليها.
وقد لجأ التيار الصدري إلى دعم هذه المبادرة من خلال سلسلة تظاهرات في العاصمة بغداد وأغلب مدن وسط البلاد وجنوبها، انتهت بتظاهرة 11 شباط/ فبراير الدامية، والتي تعني إخراج السجال السياسي من دوائر المؤسسات السياسية، والتعويل على الجمهور من أجل الضغط لتحقيق هدف سياسي محدد.
صراع شيعي وأكثر
لم ينقطع مطلبُ استبدال مفوضية الانتخابات وإعادة هيكلتها وتعديل قانون الانتخابات عن الحراك الاحتجاجي منذ الصيف الماضي، حين كفّ الحراكُ عن الدعوة إلى "انتخابات مبكرة"، وطوّر رؤية في إصلاح الأداة الانتخابية الحالية. وهي رؤية طوّرتها الركيزتان الأساسيتان للحركة الاحتجاجية: الحراك المدني والتيار الصدري؛ وأصبحت شعارًا مركزيًا يُرفع في سائر جُمع الاحتجاج، وفي سائر محافظات البلاد، عبر النصف الثاني من سنة 2016. وفي أواخر أيلول/ سبتمبر 2016، دعا الصدر في خطبة الجمعة في مسجد الكوفة إلى "تغيير مفوضية الانتخابات المسيّسة وقانون الانتخابات المُجحف"؛ بما يسمح بـ "تغيير الوجوه الفاسدة والبائسة لتحصيل أغلبية إصلاحية يستطيع من خلالها فسطاط الإصلاح تغيير واقع العراق المريض وإنقاذه من الاحتلال والميليشيات والإرهاب والفساد".
وفي الحقيقة، لا تقتصر هذه الرؤية (لا إمكانية للإصلاح قبل إصلاح مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات) على التيار الصدري والحراك المدني فحسب، بل تتشاركها مجموعة من الأطراف والفواعل السياسية، غير أن ما يميز التيار الصدري والحراك المدني هو أنهما جعلا هذه الرؤية في صُلب الحراك الاحتجاجي.
وبكلمة، جمعت هذه اللحظة، في سلة واحدة، أكثر من موقف ناقد لقواعد العملية الانتخابية في العراق، مثل:
• مرجعية النجف، والتي يبدو أنها تطمح إلى صعود تيار شيعي بديل من الأحزاب والتنظيمات القائمة (التي كانت قد أسهمت هي في صعودها)، وترى أن هذا الأمر غير ممكن من دون تفكيك سيطرة هذه الأحزاب على العملية الانتخابية.
• التنظيمات السياسية التي ترى في تعديل النظام الانتخابي مصلحة لها؛ إذ قد يفضي إلى تحسين مواقعها في خريطة مجلس النواب المقبل، من قبيل تيار إياد علاوي، والذي ربما كان من أوائل التنظيمات التي طالبت بتعديل النظام الانتخابي، وبأن تُجرى الانتخابات بإشراف دولي؛ وبعض التيارات السياسية الصغيرة، من قبيل الحزب الشيوعي الذي يطالب بجعل البلاد دائرة انتخابية واحدة، ما قد يضمن له عددًا محدودًا من المقاعد بتحقيق نسبة صغيرة على المستوى الوطني.
• التيار الصدري الذي تنطلق سياساته من مناهضة شديدة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو - وإن كانت له بعض الحظوة في مفوضية الانتخابات - يعتقد أن جزءًا أساسيًا ممن يديرون الدوائر الأكثر أهمية في المفوضية لا يزالون يوالون المالكي؛ ومن ثمّ، يمكن عدّ المفوضية واحدة من معاقل المالكي، أو من "دولته العميقة"، وقد مدّ، خلال سنوات حكمه الثماني، شبكة تغلغلت في سائر مفاصل الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية والأمنية، ولا تزال هذه الشبكة قائمة وفاعلة حتى بعد خروجه من الحكم. لذلك، تأتي المطالب بتغيير مفوضية الانتخابات استمرارًا لهذا الصراع.
• رئيس الوزراء العبادي الذي يعتقد أنه يستعد لخوض الانتخابات في قائمة منفصلة عن حزب الدعوة و"ائتلاف دولة القانون"، وهو يدرك أن شبكة المالكي المسيطرة على مفاصل رئيسة في مفوضية الانتخابات قد تقف عائقًا بينه وبين تحقيق مكاسب انتخابية لافتة، ولا سيما أنه يتوقع أن يستثمر النصر على داعش لخدمة حملته الانتخابية. ولعل جزءًا مهمًا من دوافع التقارب الأخير بين العبادي والصدر يعود إلى محاولة بناء تفاهم على إصلاح قواعد العملية الانتخابية. وقد التقى الرجلان أواخر السنة الماضية، بعد فترة قصيرة من إرسال الحكومة مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات إلى مجلس النواب، وقبل أن يعلن الصدر مشروعه لإصلاح الانتخابات.
بهذا المعنى، يمثّل الصراعُ الحالي استمرارًا للصراع داخل الساحة السياسية الشيعية، وهو يدور على إشكالية رئيسة، هي تعريف "الحكم الشيعي" في بلد متعدد الأديان والمذاهب والإثنيات، ونوع هذا الحكم، وكيفية إدارة الدولة. وقد تعمق الصراع، أكثر فأكثر، حين حمّل أحدُ الطرفين الآخر وطريقته في إدارة البلاد مسؤولية التركات والفشل الذي طبع ما يمكن أن يسمى "حكم الشيعة"، والذي انتهى إلى سيطرة "داعش" على ثلث مساحة البلاد، وثمة خطر أن تسيطر المليشيات الشيعية على البلاد، فتمنع حتى التعددية القائمة في الساحة الشيعية أو تحددها.
والصراع على الانتخابات هو عنصر أساسي في هذا الصراع، ذلك أن ضمان الانتخابات هو ما يمكن أن يقود إلى الإصلاح، بتعبير الصدر.
خاتمة
على الرغم من أهمية الجوهر الشيعي لهذا الصراع، فإن وجود "الحراك المدني" يبقى أمرًا أساسيًا؛ فمع أن الأمر بدا قدرةً من تنظيم سياسي ديني على تعبئة "الحراك المدني" في خدمة أهدافه الخاصة، فإن واقع الحال هو أن الرؤية المتعلقة بصيانة قواعد العملية الانتخابية جرت بلورتها بين الطرفين (الحراك المدني والتيار الصدري). ومنذ نحو سنة ونصف السنة، يخوض الطرفان ما يمكن تسميته "تحالفًا احتجاجيًا"، بدأت ملامحه تتبلور أكثر فأكثر. وقد تكون الحملة الأخيرة لاستبدال مفوضية الانتخابات وتغيير قانون الانتخابات هي المنجز الأكبر أهمية لهذا التحالف.
ومن ثم، قد لا يكون مفيدًا، من الآن، فهم الحراك السياسي القائم استنادًا إلى منطق التنظيمات التي ترفع الهوية الطائفية فقط؛ إذ يبدو أن القوى الأخرى (حالة "الحراك المدني" هنا) قد نجحت في كسر الحدود الصارمة التي تقيد التنظيمات ذات الهوية الطائفية، وجرها إلى الاندراج في ما يمكن تسميته "المجال الوطني العام". وبالتأكيد، سيكون لهذه الديناميكية، لاحقًا، تعبيرات أشد جرأة وأكبر أهمية.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/16 الساعة 11:33