ما أثقل الحقيبتين يا صديقي
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/18 الساعة 00:42
ما الذي يستطيع الصديق الدكتور محمد أبو رمان أن يفعله للثقافة والشباب في بلادنا..؟
اترك الاجابة لما تحمله الايام القادمة من اشارات ( لكي لا استعجل واقول انجازات) لكنني على ثقة بان لدى الوزير الجديد من الافكار والمشاريع ما يمكنه من تحقيق حركة ايجابية لدفع عجلة الثقافة الوطنية الجادة التي توقفت منذ عقود، واعادة تصميم خرائط ثقافية وابداعية تساعد الشباب وتلهمهم وتبدد من طريقهم غبار اليأس والخوف والحيرة.
المهمة - كما يعرف واعرف - ليست سهلة بالطبع، ليس فقط لان حمل وزارتين معا سيكون عبئا ثقيلا، ولا لان الموازنات المالية اقل بكثير من الحد الادنى المطلوب لانجاز مشروع ثقافي او شبابي واحد، وانما لاعتبارات اخرى تتعلق بقضايا سياسية واقتصادية كنا نتوهم انها اكبر وأهم، اشغلتنا وما تزال،وبسببها تراجع اهتمامنا بالثقافة وبالشباب معا، وخسرنا ما خسرناه في اهم الملاعب التي تشكل وعي شبابنا وانتمائهم وتربطهم بمجتمعهم ودولتهم ايضا.
يمكن للثقافة، بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، ان تنهض بدور فاعل في مواجهة ما نواجهه من مشكلات العنف والكراهية وانعدام ثقة الناس( خاصة الشباب) بدولتهم ومؤسساتهم ، وهذا يحتاج الى خطاب مقنع وذكي ومؤثر، يستطيع ان ينقلنا من حالة «التعبئة» والاستفزاز والتوتر الى حالة الاقتناع والتصالح والاستقامة ، والخطاب الثقافي هنا مهم اذا ما تم توظيفه في هذا الاتجاه من خلال مبادرات عملية جادة، حيث يمكن لوزارة الثقافة ان تنهض بدور «تنويري» يساعد شبابنا على رؤية أنفسهم والعالم من بوابات اكثر اتساعاً ورحابة.
لكن ثمة من يسأل: لماذا «نستدعي» الثقافة لمواجهة هذه المشكلة التي خرجت اصلاً من ميادين الاقتصاد او السياسة مثلاً؟ ولماذا لا تكون الثقافة شريكا بالاصالة في وضع السياسات لكي تكون بالتالي شريكا في مواجهة الأزمات.
الشق الاول من السؤال غير صحيح، لأن المشكلات التي يعاني منها الشباب ( ومجتمعنا عموما) لم تخرج من «كهوف» الازمات الاقتصادية والسياسية فقط، وانما من «ملاعب» ثقافتنا غير الخضراء، ومن رحم تجاهلنا لقيمة الفن واهمالنا لاصحابه، وبالتالي فان غياب او تراجع الباعث الثقافي وبالتالي تراجع وعي الشباب يقع في صميم مسؤولية مؤسساتنا الثقافية.. وهي هنا مسؤولة عن انتاج هذه المشكلات والتشوهات التي اصابت قيمنا ومجتمعنا.. وعليها ايضاً المساهمة في معالجتها.
أما مسألة الاستدعاء وغياب الشراكة بالاصالة فهي هنا صحيحة، اذْ ان اهتمامنا بالثقافة وبما تحتاجه من مستلزمات لتطوير خطابها ودعم الفاعلين والمبدعين فيها لم يكن - للاسف - في مستوى اهتمامنا بغيرهما من الميادين، وبالتالي فان «استدعاءنا» لها عند الحاجة والاضطرار، بعد استبعادها في الظروف «المشمشية» يثير اكثر من سؤال، بل ويدفع القائمين عليها احياناً الى «الزهد» في التدخل او الوقوف في «مدارج» المتفرجين.. وهذا اسوأ ما فعلناه على صعيد مجتمعنا.
للتذكير فقط، يوجد لدينا شارع اسمه «شارع الثقافة»، يتوقع - بالطبع - من يزوره ويتمشى فيه ان يقف امام دار للاوبرا أو مسرح وطني كبير، أو دار للعروض السينمائية المحترمة، أو - حتى - منتدى للكتاب والمثقفين والشعراء، لكنه لا يجد شيئا من هذه «المسميات» التي تنداح الى ذاكرته حين يسمع بالاسم، على العكس من ذلك يجد على طرفي الشارع اربعة مصارف كبيرة، ومطاعم تحمل اسماء غير عربية، ومحلات لبيع الاحذية والملابس، والذهب، وفي المقابل مقاه وسوبرماركت ومكتبات صغيرة على الرصيف،... وغير ذلك من مستلزمات «ثقافتنا» السائدة.
الثقافة في بلدنا كما قلت لا تجد «أبا» تنتسب اليه، صحيح ان ثمة وزارة تحمل هذا الاسم، لكن امكانياتها - كما نعرف - لا تسمح لها باقامة مؤتمر دولي واحد، واصدار مجلة معتبرة على صعيد وطننا العربي، او صناعة نجم ادبي او فني والترويج لاعماله، او غير ذلك مما نحتاجه على صعيد الفعل الثقافي الحقيقي الذي يحمل صورة بلدنا، ويحصن عقول شبابنا، ويدفع «بمنتجنا» الثقافي الى صدارة المشهد حين يكون ثمة مشهد.
كان الله في عون الصديق ابو رمان ، وهو يبدأ هذا المشوار الصعب، حاملا على ظهره حقيبتين ثقيلتين تتعلقان بأهم مواردنا ( الشباب) وبأهم مصادرنا ( الثقافة)، لكنني على امل كبير ان نسمع اخبارا طيبة في الايام القادمة. الدستور
اترك الاجابة لما تحمله الايام القادمة من اشارات ( لكي لا استعجل واقول انجازات) لكنني على ثقة بان لدى الوزير الجديد من الافكار والمشاريع ما يمكنه من تحقيق حركة ايجابية لدفع عجلة الثقافة الوطنية الجادة التي توقفت منذ عقود، واعادة تصميم خرائط ثقافية وابداعية تساعد الشباب وتلهمهم وتبدد من طريقهم غبار اليأس والخوف والحيرة.
المهمة - كما يعرف واعرف - ليست سهلة بالطبع، ليس فقط لان حمل وزارتين معا سيكون عبئا ثقيلا، ولا لان الموازنات المالية اقل بكثير من الحد الادنى المطلوب لانجاز مشروع ثقافي او شبابي واحد، وانما لاعتبارات اخرى تتعلق بقضايا سياسية واقتصادية كنا نتوهم انها اكبر وأهم، اشغلتنا وما تزال،وبسببها تراجع اهتمامنا بالثقافة وبالشباب معا، وخسرنا ما خسرناه في اهم الملاعب التي تشكل وعي شبابنا وانتمائهم وتربطهم بمجتمعهم ودولتهم ايضا.
يمكن للثقافة، بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، ان تنهض بدور فاعل في مواجهة ما نواجهه من مشكلات العنف والكراهية وانعدام ثقة الناس( خاصة الشباب) بدولتهم ومؤسساتهم ، وهذا يحتاج الى خطاب مقنع وذكي ومؤثر، يستطيع ان ينقلنا من حالة «التعبئة» والاستفزاز والتوتر الى حالة الاقتناع والتصالح والاستقامة ، والخطاب الثقافي هنا مهم اذا ما تم توظيفه في هذا الاتجاه من خلال مبادرات عملية جادة، حيث يمكن لوزارة الثقافة ان تنهض بدور «تنويري» يساعد شبابنا على رؤية أنفسهم والعالم من بوابات اكثر اتساعاً ورحابة.
لكن ثمة من يسأل: لماذا «نستدعي» الثقافة لمواجهة هذه المشكلة التي خرجت اصلاً من ميادين الاقتصاد او السياسة مثلاً؟ ولماذا لا تكون الثقافة شريكا بالاصالة في وضع السياسات لكي تكون بالتالي شريكا في مواجهة الأزمات.
الشق الاول من السؤال غير صحيح، لأن المشكلات التي يعاني منها الشباب ( ومجتمعنا عموما) لم تخرج من «كهوف» الازمات الاقتصادية والسياسية فقط، وانما من «ملاعب» ثقافتنا غير الخضراء، ومن رحم تجاهلنا لقيمة الفن واهمالنا لاصحابه، وبالتالي فان غياب او تراجع الباعث الثقافي وبالتالي تراجع وعي الشباب يقع في صميم مسؤولية مؤسساتنا الثقافية.. وهي هنا مسؤولة عن انتاج هذه المشكلات والتشوهات التي اصابت قيمنا ومجتمعنا.. وعليها ايضاً المساهمة في معالجتها.
أما مسألة الاستدعاء وغياب الشراكة بالاصالة فهي هنا صحيحة، اذْ ان اهتمامنا بالثقافة وبما تحتاجه من مستلزمات لتطوير خطابها ودعم الفاعلين والمبدعين فيها لم يكن - للاسف - في مستوى اهتمامنا بغيرهما من الميادين، وبالتالي فان «استدعاءنا» لها عند الحاجة والاضطرار، بعد استبعادها في الظروف «المشمشية» يثير اكثر من سؤال، بل ويدفع القائمين عليها احياناً الى «الزهد» في التدخل او الوقوف في «مدارج» المتفرجين.. وهذا اسوأ ما فعلناه على صعيد مجتمعنا.
للتذكير فقط، يوجد لدينا شارع اسمه «شارع الثقافة»، يتوقع - بالطبع - من يزوره ويتمشى فيه ان يقف امام دار للاوبرا أو مسرح وطني كبير، أو دار للعروض السينمائية المحترمة، أو - حتى - منتدى للكتاب والمثقفين والشعراء، لكنه لا يجد شيئا من هذه «المسميات» التي تنداح الى ذاكرته حين يسمع بالاسم، على العكس من ذلك يجد على طرفي الشارع اربعة مصارف كبيرة، ومطاعم تحمل اسماء غير عربية، ومحلات لبيع الاحذية والملابس، والذهب، وفي المقابل مقاه وسوبرماركت ومكتبات صغيرة على الرصيف،... وغير ذلك من مستلزمات «ثقافتنا» السائدة.
الثقافة في بلدنا كما قلت لا تجد «أبا» تنتسب اليه، صحيح ان ثمة وزارة تحمل هذا الاسم، لكن امكانياتها - كما نعرف - لا تسمح لها باقامة مؤتمر دولي واحد، واصدار مجلة معتبرة على صعيد وطننا العربي، او صناعة نجم ادبي او فني والترويج لاعماله، او غير ذلك مما نحتاجه على صعيد الفعل الثقافي الحقيقي الذي يحمل صورة بلدنا، ويحصن عقول شبابنا، ويدفع «بمنتجنا» الثقافي الى صدارة المشهد حين يكون ثمة مشهد.
كان الله في عون الصديق ابو رمان ، وهو يبدأ هذا المشوار الصعب، حاملا على ظهره حقيبتين ثقيلتين تتعلقان بأهم مواردنا ( الشباب) وبأهم مصادرنا ( الثقافة)، لكنني على امل كبير ان نسمع اخبارا طيبة في الايام القادمة. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/18 الساعة 00:42