الزراعة ميراث ثقيل ..

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/17 الساعة 01:05
توجهات الحكومة المعلنة نحو مزيد من شفافية ومحاسبة ومواكبة إنجاز، وتقديمه الى الرأي العام خاليا من أية شائبة، بعيدا عن المبالغات والتلميع وتسويق الأشخاص، كلها أفكار حكومية تصبح عبئا ثقيلا على كاهل الوزير الجديد، الذي يحمل أمانة مسؤولية حقيبتين وزاريتين، هما الزراعة والبيئة، وعلى الرغم من اقتراب الحقلين من بعضهما، إلا أنه ثمة أعباء إجرائية وإدارية مطلوب من الوزير القيام بها، على وقع المطالبة والتعهدات التي يتعهد بها رئيس الوزراء أمام الرأي العام، ويضغط على فريقه الوزاري لتحقيقها..
المهندس ابراهيم الشحاحدة، وزير الزراعة ووزير البيئة، ليس طارئا على الخدمة العامة، ونظرة واحدة الى صفحات سيرته الذاتية تعطيك الانطباع المبدئي عن عدم حاجة الوزير لمزيد من تعريف وشرح عن العمل العام، وعن القطاع الزراعي وهمومه ومشاكله، أو عن البيئة بطبيعة الحال، فالشحاحدة؛ هو ابن القطاع الزراعي كمواطن، وكمهندس زراعي، وكموظف أفنى جزءا كبيرا من عمره المهني الوظيفي في المجال، وهذا على صعيد الكفاءة، أما على صعيد الالمام باحتياجات هذا القطاع والعاملين فيه أو المزارعين والمنتجين والمستثمرين، والذين يتقاطعون مع القطاع الزراعي في قضايا وهموم وتنمية، كالمياه والصناعة والبيئة والسياحة والغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس والجمارك ..وسائر القطاعات الأخرى، فهو ملم به ومن خبرائه، وذلك من خلال عمله كرئيس للجنة الزراعية في مجلس النواب، فعلاوة على خبرته العملية في العمل العام ومن أهم وأوسع أبوابه التشريعية والرقابية والالتصاق بالناس وهمومهم، هو أيضا عمل في أهم مكان لخدمة القطاع الزراعي على الصعيد التشريعي وغيره.
لن يحتاج الرجل الى كثير من الوقت ليسير على طريق تقديم الإنجاز، على العكس تماما، فهو؛ وحين امتلك كل هذه الخبرة المتنوعة في القطاع الزراعي وإدارة أزماته وتنمية قدراته وسنّ وهندسة تشريعاته، فلا يحتاج الى مزيد من معرفة معلوماتية بقدر حاجته لوقت يمكنه من تقديم إنجاز، وعلى الرغم من أنه لم يمض أسبوعا في موقعه إلا أنه قفز سريعا عن المقدمات «الطللية» وباشر في توضيب البيتين، وهو ربما سيخرج الى الاعلام ويبين ملامح الاستراتيجية التي سينتهجها لمزيد من عطاء وانتاجية، على الشكل المؤسسي الذي تتعهد به الحكومة وتجدد التأكيد عليه..
يتجلى الميراث الأثقل حين نشرع في مقارنات غير مهمة بين الأداء المتوقع من وزير مدجج بالمعرفة عن القطاع، مقارنة مع وزراء سبقوه في المسؤولية بعضهم من المختصين فقدموا ما استطاعوا، لا سيما المقارنة مع الوزير السابق المحترم المهندس خالد حنيفات، والذي حقق إنجازات لافتة على الرغم من أنه ليس ابن القطاع مهنيا، فهو مهندس ميكانيك، لكنه تعامل بديناميكية واضحة، واجتهد واصاب كثيرا في اجتهاداته، ولا ننكر بأنه أخطأ في بعضها، وهو خطأ مبرر بناء على عدم اختصاصه أولا وبناء على الصفة الديناميكية التي اتصف بها، والتي تعتبر إيجابية حين نراها بمسؤول يبتعد عن التفاصيل ويذهب الى الأهداف بطريقة سريعة ومباشرة، وهنا تكمن صورة أخرى للحمل الثقيل الذي وضع على كاهل خلفه الوزير الحالي، الذي يقتنع بفكرة عدم الحديث عن شيء قبل إنجازه فعلا وانعكاس أثره الجذري على الناس، الأمر الذي يبين لنا بأنه سيقدم نموذجا مختلفا من الأداء في وزارة الزراعة، حيث الانجاز هو الذي سيتحدث عنه وهي المفارقة الأهم، الملتزمة بوجهة نظر نابعة عن خبرة مهنية وتشريعية ومؤسسية ..
المشهد العام في البلاد يشوبه الحذر والتوجّس؛ وهذا أقل وصف «مهذب» نصفه به، ونقول بأنه غارق بالتشكيك وعدم الثقة ومنحاز الى الابتعاد عن الحقائق وتقديم السلبيات وتضخيمها، وهي حقيقة تضع مزيدا من العراقيل والصعوبات أمام موظف القطاع العام، لا سيما إن كان وزيرا عضوا في الفريق الوزاري العامل، ولعل تصريحات الشحاحدة التي أعرف بعضها: بأنه لن يتوغل بل لن يقترب من الرومنسيات في الحديث عن الانجاز، وأنه لن يدعي شيئا ويضخم صورة الانجازات ..ستكون إضافة أثقل على الحمل الثقيل..
لم أتحدث مع الوزير الجديد بأي حديث حول توجهاته، لكنني سأكتب هنا وفي غير المكان عن أية معلومة حول هذه التوجهات المنتظر الافصاح عنها أو ترجمتها..فالزراعة وإدارة شأنها تقع في عين الاهتمام الرسمي والشعبي وتحتل صدارة الفعل التنموي والاقتصادي. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/17 الساعة 01:05