العبودية من جديد

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/17 الساعة 00:13
كلنا يعلم مدى قبح العبودية، فالحرية الإنسانية هي من أبرز حقوق الإنسان، أما العبودية المقيتة فتهبط بالإنسان من إنسانيته ليصير كالحيوانات والبهائم، لذلك عملت الأمم على مناهضة الرق والعبودية، وصار الرق أمرا محرما في الشرعة الدولية. لكن أصبح للعبودية شكل جديد، لم تمنعه الشرعة الدولية، وربما لا تستطيع، أو لا تريد ذلك، لأن الشعوب الفقيرة والمستهلكة هي ضحية هذه العبودية الحديثة، والدول العظمى هي السيّد والمالك والمستفيد؛ لأن من خلال العبودية الحديثة انتعش اقتصاد الدول العظمى، وتراجعت أمتنا عن المنافسة الحضارية، وصارت تابعة بحكم تبعية أفرادها. العبودية للأجهزة الذكية، التي جعلت من الإنسان المعاصر عبدا لها، لا يفارقها، ولا يصبر على بعدها، ويقدم فروض العبودية لها، حتى عطل عقله وصار الإنسان غبيا في زمن الأجهزة الذكية. ولا شك أنني مع كل تطور، على أن يستعمل في سبيل الإنسانية ورفعتها، لا لكي يدمن الإنسان عليها فيصير عبدا مخلصا لها. عبودية الاستهلاك، التي من خلالها يظن الإنسان أنه يتطور، ولكنه في الحقيقة يتأخر ويخسر، فمثلا، بعض الناس يحرص على شراء كلّ جديد، وما أسرع تقديم الجديد في هذا العالم، فهو ينتقل من سلعة إلى سلعة، لا شيء إلا لأن الجديد قد نزل ووصل، ويقال هذا في أجهزة الهاتف، أو السيارات أو الغسالات، أو الثلاجات، أو التلفزيونات...الخ. مع أن لهذه الأشياء أعمارا تخدم صاحبها خلالها، ولا يحسن استبدالها لمجرد نزول الجديد منها. العبودية للعادات والتقاليد، حتى إنك تجد أكوام الطعام تلقى في مكب النفايات بسبب عرس أو عزاء، ثم لا تجد من يتحرك لينبّه على ذلك، أو ليقود حملة لتغيير هذه العادات السيئة التي تنبع من السّرف والترف، أليس القضاء على هذا النوع من العبودية أولى من وعظ الناس عن جهنم وعذاب القبر، أليس حمايتهم من الأمور الموصلة إلى العذاب أولى من الحديث عن نفس العذاب. العبودية للمال، حيث صار جمع المال همًّا شاغلا عند أفراد المجتمع، ولا يهمّ مصدره، ولا طريقة إنفاقه، المهم أن يحصل الفرد على المال ليصنع لنفسه ثروة تستجلب احترام الناس له في شبابه، وتحميه في شيخوخته، وتحقق رغائبه وشهواته ونزواته بينهما. العبودية الفكرية، حيث جعل بعض المفكرين والمثقفين كل ما نتج عن الغرب من نظريات وأفكار آلهة تعبد، ووحيا لا يقبل النقاش أو النقض، ويسير خلفه حذو النعل للنعل، معطلا فكره النقدي، فلا يقدر على التمحيص أو التدقيق أو التنخيل، فهي عبودية كاملة تجعل المثقف والمفكر أشبه ما يكون بعامة الناس أو دونهم. وبالمقابل لهذه الأشكال من العبودية يقدَّم الإنسان الغربي بشكل متفوق خارق، لا يعرف العجز أو الكلل أو الملل، ينجز (المهمة المستحيلة)، فهو (جيمس بوند) و(سوبرمان) و(باتمان) و(رامبو) و(روكي) وغيرهم. صور وأوهام صارت بمثابة الحقائق المرعبة لكثرة تكرارها على العقول، حتى حفرت في ذهن أبناء الأمة أننا من المستحيل أن نصل لمستوى الإنسان الغربي مهما فعلنا، فعلينا أن نظلّ تحت نير العبودية والتبعية؛ كي نحافظ على السلام العالمي. إذا أرادت هذه الأمة أن تتقدم وأن تعود لركب الحضارة، فعليها أن تشتري نفسها وتعتقها من رق العبودية الحديثة التي وضعت قيودها حول أعناقنا، وسلختنا من وعينا وفكرنا وثقافتنا، وشغلتنا عن مهمتنا الأصلية في الحياة، وهي عمارة الأرض عبودية لله تعالى، وإقامة الحق، وتحقيق العدل بين الناس، ونشر الأخلاق الحميدة بين البشرية كلها، ولا يكون هذا إلا بالتحقق بالعبودية الكاملة لله وحده. الدستور
  • الحديثة
  • مال
  • اقتصاد
  • لب
  • شباب
  • برما
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/17 الساعة 00:13