دولة حازمة وعادلة....

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/16 الساعة 00:53
خطاب العرش الذي يتلوه جلالة الملك من على أعلى منصة في البرلمان هو الرسالة الأهم التي تلخص أوضاع البلاد وتحدياتها والأولويات التي يراها الملك ويدعو الأمة والسلطات للعمل على مجابهتها وتحقيقها. بحضور الأعيان والنواب ومجلس الوزراء والسلطة القضائية وتمثيل أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع يستعرض الخطاب حالة البلاد ويقدم الرؤية الشاملة للعمل ويوجه الجميع نحو ما يراه الملك عنوانا للمرحلة في ظل التحولات التي يمر بها الإقليم والعالم.
في كل عام يتحدث جلالته للأمة بمختلف سلطاتها ومكوناتها عن الإصلاح والاقتصاد والإدارة والتعليم والأمن والقدس وحل الدولتين والإصلاح السياسي ومكانة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وجهود الحرب على الإرهاب ومكافحة التطرف ومجمل القضايا التي تشغل بال الأردنيين وتستحوذ على اهتمامهم. وفي كل دورة يشكل الأعيان والنواب لجانا للرد على خطاب العرش بعد أن يمضوا أياما وأسابيع في قراءته وتحليله.
الردود التي يعدها الأعيان والنواب ويتلوها الرؤساء أمام جلالته لا تتجاوز اقتباسات من النصوص الواردة في الخطاب الملكي والإشارة بأنهم سيعملون على تنفيذها فتمر الأيام والأشهر دون أن نتحقق من مدى تبدل السياسات وإيجاد التشريعات وصياغة البرامج وتحديد المخصصات المالية واختيار الكوادر المناسبة لتنفيذ ما اشتملت عليه الرؤى الملكية وأعلن النواب والأعيان التزامهم بتنفيذها.
في هذا العام جاء الخطاب الملكي ليشخص أوضاع البلاد ويحدد أوجاعها ومشكلاتها ويعرض لمواطن القوة وميادين الفرص التي يمكن استثمارها مخاطبا الشعب وواصفا إياه بالعظيم الصابر والوفي، ومشيرا إلى أن مسيرة البناء والتنمية قد واجهت بعض التحديات وشابها أخطاء يمكن أن نتعلم منها .
الخطاب الملكي غني بالقضايا والتوجهات والمضامين غير أن إشارة الخطاب إلى أهمية العمل على اجتثاث الفساد والإشارة إلى مفهوم الدولة الحازمة العادلة كانت المضامين الإضافية لخطاب هذا العام. أهمية هذه القضايا تأتي من مركزية هاتين القضيتين وارتباطهما بمجمل القضايا والانشغالات الأخرى.
خلال السنوات الأخيرة شكل الفساد والحديث حوله أحد أهم القضايا التي أشغلت وسائل التواصل الاجتماعي وساعدت على انتشار الإشاعات والنيل من سمعة البلاد وإضعاف الإدارة العامة. الكثير من القصص والروايات التي تناولها المدونون جاءت على خلفية غياب الإجابات الرسمية الحاسمة ومحدودية المعلومات التي تصدرها المؤسسات الرقابية في أعقاب اكتشاف بعض حالات الفساد أو اختفاء المتهمين وهروبهم.
الترجمة الموضوعية لما جاء في خطاب العرش تتطلب برامج حكومية حازمة في التعامل مع من يرتكبون الفساد ويخرقون القانون ويعتدون على هيبة الدولة أيا كانت منزلتهم. من الصعب أن يرى المواطن الفرق في سيادة القانون إذا ما استمرت الاستثناءات والامتيازات التي تمنح لبعض الفئات والأشخاص متجاوزة حقوق الآخرين في التعليم والعمل والترقية وتولي المواقع.
الأردنيون يؤمنون وهم يستمعون لخطاب العرش بأهمية ما دعا له الخطاب لبناء وتنظيم المجتمع الذي يتطلع الجميع للعيش في كنفه لكنهم يتوجسون وهم يتابعون أخبار تقاسم شركات أعضاء السلطة التشريعية للعطاءات الحكومية وما في ذلك من مخالفة لنصوص الدستور التي تمنع أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية من أن يكون لهم مصالح اقتصادية مع الدولة. كما يتطلعون إلى إجراءات حاسمة وعادلة حيال من ترتبط نشاطاتهم بالفساد ويقدمون خدماتهم المرتبطة بمواقعهم لمن يتورطوا فيه.
الدولة العادلة الحازمة تلغي الامتيازات وتوقف الاستثناءات وتتحرك بسرعة وحزم لوقف التعديات وإيقاع العقوبة العادلة على كل من يخرق القوانين. بهذا يتحقق الردع ويتوقف الانحراف وينتشر العدل. نأمل من السلطات الثلاث أن تعمل معا على تنفيذ التوجيهات الملكية التي ترى وتؤكد دوما أن لا حصانة لفاسد. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/16 الساعة 00:53