الرحامنة يكتب: إدلب والخلاصات الصعبة.. سيناريوهات لها تبعات
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/06 الساعة 14:50
علي أحمد الرحامنة
جامعة الشرق الأوسط تتجه الأنظار إلى إدلب، باهتمام وترقّب لم نشهده ربما في محطّات كبرى سابقة، مثل محطات حلب وحمص والغوطة وجنوب سوريا وغيرها كثير. فإدلب تكاد تكون الحلقة الختامية أو قبل الختامية، عسكريا، في مسلسل الأزمة السورية الكبرى، الذي يقارب عمره سنوات ثمانٍ عجاف. وزاد في الاهتمام، بعد القمة الروسية-التركية-الإيرانية في طهران، قمة سوتشي التي تلتها مباشرة، والتي توصّل فيها الرئيسان؛ الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لاتفاق في منتصف أيلول الماضي، وُصِف بأنه جنّب شمال غرب سوريا، ومحافظة إدلب خصوصا، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين من المدنيين السوريين، معارك دامية كان ولا يزال من الممكن أن يقع ضحيتها، لو دارت، أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب موجات جديدة كبيرة من النزوح والتهجير والمعاناة. ويتواجد في تلك المناطق عدد من مقاتلي الجماعات المسلحة، وهو عدد غير محدد بدقة. فهم بالألوف حسب بعض التقديرات، وبعشرات عديدة من الألوف حسب تقديرات أخرى، خاصة وأن تلك المنطقة تحولت إلى مجمع لقوافل "الباصات الخضر" التي كانت تقل المسلحين، رافضي التسويات والمصالحات، من مناطق مختلفة من سوريا، وأسرهم. انتهت القمة الروسية-التركية إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وبانسحاب مقاتلي المعارضة "المتطرفين" بحلول منتصف شهر تشرين الأول الحالي. وهذه المنطقة ستكون بعمق 15-20 كلم على طول خط التماس بين قوات الجيش العربي السوري والقوى المسلحة "الإرهابية" والمصنفة "معتدلة"، والتي يقدّر بعض الخبراء طولها بنحو (250) كيلومترا، على أن تتولى القوات الروسية والتركية مراقبتها، حيث ستجريان دوريات بالتنسيق فيما بينهما. والاتفاق يسري على محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي. واستنادا إلى الاتفاق، يتوجب على التنظيمات المصنفة في قائمة الإرهاب؛ "داعش" ومن معها، وهيئة تحرير الشام (التي كان اسمها جبهة النصرة، وقبل ذلك اسم المصدر الأصلي، أي "القاعدة"، وهي الأقوى عسكريا في المنطقة) مع من ينضوي تحت لوائهما، يتوجب عليها الخروج بشكل كلي من المنطقة العازلة. ومن المعنيين أساسا بتنفيذ الاتفاق، إلى جانب هيئة تحرير الشام و"داعش"، "الجبهة الوطنية للتحرير" (جبهة تحرير سوريا) التي تضم أبرز الفصائل المسلحة المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وهي خلاصة المعارضة السورية المصنفة "معتدلة". وهناك قوى متفرقة أخرى تنضوي تحت لواء أحد هذه الأطر الثلاثة الأعم للتنظيمات المسلحة. أما القوات السورية، فهي، حسب ما توافر من معلومات عن الاتفاق، ستبقى في مواقعها على الطرف المقابل لخطوط التماس، وليست مجبرة على سحب أي قطعة من معداتها العسكرية أو تقليص أعداد عناصرها. وفي الوقت نفسه، ينفي عمر حذيفة، القيادي الشرعي في فصيل "فيلق الشام" المنضوي تحت لواء الجبهة الوطنية للتحرير، "المعتدلة"، أن تسلم فصائل المعارضة سلاحها الثقيل حسب اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، ويقول "إن لا أحد طلب من المعارضة تسليم السلاح!"، ولكن مع إقرار ضمني بأن السلاح الثقيل سيكون خارج المنطقة العازلة، والإشارة الصريحة إلى أن الجنود الأتراك سيدخلون المنطقة العازلة بسلاحهم الثقيل وعتادهم العسكري الكامل، فيما تعلن المعارضة المسلحة المعتدلة رفضها أي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة المرتقبة. وما أكثر الأمثلة على هذه الضوضاء في المواقف والتصريحات، وعلى تناقض ما يُقال عما يجري على الأرض، وعلى غيرها من مكوّنات الضباب العسكري والسياسي في مشهد إدلب وجوارها. وكل ذلك دفع بمراقبين عديدين إلى تقدير مفاده أن ما يحصل في إدلب يعقّد عملية الحل، وان الخلاف العميق بين الجماعات المسلحة فيها قد يؤدي إلى صراع دموي جديد بينها. وفي خلاصة مواقف القوى المصنفة "معتدلة" من المنطقة "العازلة"، يأتي القبول الخجول، غير الصريح، أو العملي من جانب حلفاء تركيا الأقربين في المنطقة، وهم من الجيش الحر وسواه من القوى العاملة بإمرة تركيا، بمسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي عبّرت عن ثقتها، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة، القاعدة)، في أن "خصومها" من الجهاديين (المصنفين إرهابيين) سيلتزمون بشرط مغادرة المنطقة منزوعة السلاح. وفي الواقع يصعب تصور أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ستقف في مواجهة تركيا "الصديقة" صراحة أو ضمنا، رغم تصنيف تركيا لها، دون رغبة تركية حقيقية في ذلك، بأنها منظمة إرهابية، قبل أسابيع. ولم تعلن هيئة تحرير الشام (النصرة، القاعدة) موقفها الحاسم والنهائي بعد من الاتفاق، وسيلعب موقفها دورا حاسما في نجاحه أو فشله، أو ربما ستشهد بعض الانشقاقات. ولعل من المهم التمعن فيما قاله مسؤول كبير من المعارضة السورية حين أكد أن أقوى جماعة جهادية في الشمال الغربي، وهي "هيئة تحرير الشام" بعثت بإشارات سرية إلى الجيش التركي من خلال أطراف ثالثة في الأيام القليلة الماضية لتوصيل رسالة مفادها أنها ستلتزم بالاتفاق، ولكن هذا لا ينفي وجود قوى داخل النصرة تعارض بصلابة تنفيذ اتفاق المنطقة العازلة، بما يفتح الباب لاقتتال دموي محتمل. وبالنسبة لـِ "داعش"، فالصراع المسلح والدامي مع بقاياها في سوريا محسوم، رغم محاولات أطراف عديدة استثمار فلولها للتنغيص على الحكومة السورية وحلفائها، كما يحدث على سبيل المثال في جوار التنف، وفي معارك تلول الصفا في البادية السورية المجاورة للسويداء في جنوب سوريا. وفي حالة "المعتدلين"، يُقال إنهم بدأوا بالفعل بتنفيذ الاتفاق، بالتنسيق الكامل مع تركيا، بل إن المرصد السوري المعارض أعلن إن جماعة "فيلق الشام" بدأت بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، إلا أن الجماعة نفت ذلك رغم تأكيد المرصد ذلك مرة أخرى فيما بعد، لكن سرعان ما تم نفي الخبر من جانب "الجبهة الوطنية للتحرير" (الجبهة الوطنية لتحرير سوريا) التي تضم بين ما تضم من فصائل مسلحة، "فيلق الشام"، الأهم عسكريا عندها. ومختلفٌ هو الحال مع جماعة "جيش العزة" التي تنشط في ريف حماة الشمالي، التي أعلنت رفضها للاتفاق حول المنطقة العازلة، وهي أيضا تقاتل تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير. وحتى هذه الجبهة "المعتدلة" أعلنت رفضها القاطع لأي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة، رغم انه يصعب التعامل مع مثل هذه التصريحات على أنها جازمة وجدية، بل لعلها نوع من مداراة غضب بعض الأطراف المنضوية تحت لوائها، والأطراف الأخرى الحليفة موضوعيا لها، مثل جبهة النصرة، وبالأصح، الاتجاهات الأكثر تشددا في جبهة النصرة. وفي إجمال عام، يفترض سيناريو أول تنفيذ الاتفاق، مع عقبات غير كبرى، أي عقبات لا تمنع تنفيذه في نهاية المطاف. أما السيناريو الثاني فيفترض انهيارا للاتفاق، واقتتالا دمويا بين المسلحين بأطيافهم ومواقفهم المختلفة وانشقاقاتهم المحتملة، وصولا إلى انهيار خيار الحل غير المسلح بالنسبة للدولة السورية، ومعها محور المقاومة والحليف الروسي، والدخول في مواجهة دامية لإنهاء الوجود العسكري لكل القوى الخارجة عن شرعية الدولة السورية وسيادتها، كما حصل في عدد كبير من المناطق السورية الأخرى. وهناك سيناريو ثالث، يصبح أمرا واقعا، إذا ما فضّلت تركيا وجماعاتها في شمال غرب سوريا، بقبول روسي، التعامل مع رافضي الاتفاق، بالقوة المسلحة. ومما يشي بواقعية هذا الاحتمال، تعهد أنقرة لموسكو بأنها ستتولى أمر خطر المتشددين، وهي بذلك تقدم نفسها طرفا ينهى الجماعات الإرهابية في شمال غرب سوريا. وهذا المسار، على وعورته، والمقامرة الكامنة في مصائره، يقدم لتركيا ورقة إضافية في "صنع" ملامح المستقبل السياسي لسوريا، وفي تنفيذ بقية الأجندة والترتيبات التركية الخاصة بالمسألة الكردية في شمال شرق سوريا (شرق الفرات)، وتثبيت موطئ قدم عسكري وسياسي تركي مباشر قد يطول أمده في إدلب ومحيطها، والدخول بقوة على خط "لجنة صياغة الدستور السوري"، وحجز مقعد أهم في طاولة الخواتيم السياسية للملف السوري. وتبقى معلقة عشرات الأسئلة في كل هذه السيناريوهات، منها مصائر أعضاء الجماعات "الإرهابية"، ففي حين دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى القضاء عليهم في إدلب، أو محاكمتهم، أو معاقبتهم، وأن كيفية القيام بذلك ستكون حسب تطورات الأمور، تؤكد أوساط متعددة أن العمل جار لاستثمارهم في ساحات أخرى، من أفغانستان، إلى مصر، وغيرهما من الساحات، في خدمة مصالح الرعاة الأصليين لهذه الجماعات، وفي خدمتهم! وفي الحقيقة، لا يعلم أحد أبدا مصير اتفاق سوتشي (بوتين-أردوغان والمنطقة العازلة وقضية إدلب برمتها). والحلول النهائية للمشكلة غامضة، ولكن، وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "بما أننا كسبنا وقتا للمدنيين وأزلنا التهديد المباشر على الجيش السوري وعلى قاعدتنا الجوية هناك، فهذا يعني أنه تم تحقيق أشياء كثيرة من هذا الحزام الفاصل". ومن اللازم ربما تذكر أن روسيا ليست "عضوا عاملا في محور المقاومة"، وهي حليف لسوريا، والحليف له حساباته التي قد لا تتفق تماما أو بالضرورة مع حسابات حلفائه، بما لا يفسد "للتحالف" قضية... والأساس من منظور سوريا وحلفائها وأصدقائها هو القوى الذاتية، والمواقف التي تستطيع أن تتبناها وتعمل من أجلها تلك القوى، كل من موقعه، وفي عمقه القومي والإقليمي، وعلاقاته الدولية. تُرى، أين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والعرب؟ وإيران؟ هؤلاء حاضرون، بتفاوت هائل في مستوى الحضور... ولكل منهم دوره ومصالحه ووسائل فعله: • الولايات المتحدة تملك ورقة شرق الفرات عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحضور العسكري المحدود شرق الفرات، وهذه الورقة الكردية قادمة في محاولة فرض صيغة تقسيمية ما، باسم نظام فدرالي أو غيره، كنتيجة للدستور العتيد الذي سيدور صراع حاد بصدده، كونه سيمثل واحدة من أهم خلاصات الصراع "الكوني" في سوريا. ويُراد للقوى الكردية أن تكون أداة التنفيذ التقسيمية في سوريا، أو أداة المساومة المسلطة، والمأمول ألا يرضى كرد سوريا بهذا الدور المشين، وأن تنجح اللقاءات القائمة بين الدولة السورية والأطراف الكردية في درء هذا الخطر، الذي يصيب الكرد في مقتل، ويلحق بهم وبقضاياهم أفدح الأضرار. أما قاعدة التنف وما يحيطها من مجموعات داعش فتبدو على وشك الانقشاع العملي من الملف السياسي والعسكري في سوريا. • إسرائيل تعيد حسابات قواعد الاشتباك والخطوط الحمر مع صواريخ إس 300 القادمة إلى سوريا، رغم أن تغيرا عسكريا استراتيجيا لا يلوح في الأفق القريب أو المتوسط بهذا المتغير، على أهميته.. • يبدو أن إيران ممتعضة من اتفاق بوتين-أردوغان.. فهي ربما أرادت حسمًا نهائيًّا يغلق باب المداخل التركية والأميركية و"الناتوية" التي تطل منها بطرق عديدة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة، وبما يفتح لهذه الأطراف أبوابًا سياسية في الملف السياسي السوري الختامي، وهي أبواب كان يمكن إغلاقها، بعد نهاية الفصل العسكري في المحنة السورية... ولعل حزب الله وحلفاءه في محور المقاومة وأصدقاء هذا المحور يحملون عتبًا خجولاً على الموقف الروسي... دون أن يهدد ذلك التحالف القائم. • دول الخليج التي كانت فاعلة في الأزمة السورية "مشغولة" تماما بصراعاتها الداخلية، وفي "المأزق اليمني" خصوصا، وسوريا ليست على جدول الأعمال عند هذه الدول الآن. • الشعب السوري، والشعوب العربية لا تريد لسوريا إلا أن تخرج من محنتها، وأن تعيد بناء كيانها، دولة عربية واحدة موحدة سيدة على كل شبر من أرضها، وحرة وديمقراطية... إن كل حريص على سوريا، ينظر بحذر إلى مشارف الجولات السياسية القادمة للحل السياسي في سوريا، وبما يعيدنا إلى أجواء جولات جنيف الأولى، ... والحذر قائم من "الفدرالية" و"الكونفدرالية" بما هي تقسيم لسوريا بأسماء جديدة. والحذر قائم من مخاطر "لبننة" سوريا أو "عرقنتها" بوصفات المحاصصات الطائفية والعرقية-الإثنية التي تلغي مبدأ سيادة مفهوم المواطنة المدنية الحضارية المعاصرة، دولة سيادة القانون، بل وتلغي سورية التي عرفها التاريخ بتعدديتها وتنوعها، سورية المنسجمة بجمالية متنوعة وعريقة ومبدعة عبر آلاف السنين، ...
جامعة الشرق الأوسط تتجه الأنظار إلى إدلب، باهتمام وترقّب لم نشهده ربما في محطّات كبرى سابقة، مثل محطات حلب وحمص والغوطة وجنوب سوريا وغيرها كثير. فإدلب تكاد تكون الحلقة الختامية أو قبل الختامية، عسكريا، في مسلسل الأزمة السورية الكبرى، الذي يقارب عمره سنوات ثمانٍ عجاف. وزاد في الاهتمام، بعد القمة الروسية-التركية-الإيرانية في طهران، قمة سوتشي التي تلتها مباشرة، والتي توصّل فيها الرئيسان؛ الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لاتفاق في منتصف أيلول الماضي، وُصِف بأنه جنّب شمال غرب سوريا، ومحافظة إدلب خصوصا، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين من المدنيين السوريين، معارك دامية كان ولا يزال من الممكن أن يقع ضحيتها، لو دارت، أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب موجات جديدة كبيرة من النزوح والتهجير والمعاناة. ويتواجد في تلك المناطق عدد من مقاتلي الجماعات المسلحة، وهو عدد غير محدد بدقة. فهم بالألوف حسب بعض التقديرات، وبعشرات عديدة من الألوف حسب تقديرات أخرى، خاصة وأن تلك المنطقة تحولت إلى مجمع لقوافل "الباصات الخضر" التي كانت تقل المسلحين، رافضي التسويات والمصالحات، من مناطق مختلفة من سوريا، وأسرهم. انتهت القمة الروسية-التركية إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وبانسحاب مقاتلي المعارضة "المتطرفين" بحلول منتصف شهر تشرين الأول الحالي. وهذه المنطقة ستكون بعمق 15-20 كلم على طول خط التماس بين قوات الجيش العربي السوري والقوى المسلحة "الإرهابية" والمصنفة "معتدلة"، والتي يقدّر بعض الخبراء طولها بنحو (250) كيلومترا، على أن تتولى القوات الروسية والتركية مراقبتها، حيث ستجريان دوريات بالتنسيق فيما بينهما. والاتفاق يسري على محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي. واستنادا إلى الاتفاق، يتوجب على التنظيمات المصنفة في قائمة الإرهاب؛ "داعش" ومن معها، وهيئة تحرير الشام (التي كان اسمها جبهة النصرة، وقبل ذلك اسم المصدر الأصلي، أي "القاعدة"، وهي الأقوى عسكريا في المنطقة) مع من ينضوي تحت لوائهما، يتوجب عليها الخروج بشكل كلي من المنطقة العازلة. ومن المعنيين أساسا بتنفيذ الاتفاق، إلى جانب هيئة تحرير الشام و"داعش"، "الجبهة الوطنية للتحرير" (جبهة تحرير سوريا) التي تضم أبرز الفصائل المسلحة المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وهي خلاصة المعارضة السورية المصنفة "معتدلة". وهناك قوى متفرقة أخرى تنضوي تحت لواء أحد هذه الأطر الثلاثة الأعم للتنظيمات المسلحة. أما القوات السورية، فهي، حسب ما توافر من معلومات عن الاتفاق، ستبقى في مواقعها على الطرف المقابل لخطوط التماس، وليست مجبرة على سحب أي قطعة من معداتها العسكرية أو تقليص أعداد عناصرها. وفي الوقت نفسه، ينفي عمر حذيفة، القيادي الشرعي في فصيل "فيلق الشام" المنضوي تحت لواء الجبهة الوطنية للتحرير، "المعتدلة"، أن تسلم فصائل المعارضة سلاحها الثقيل حسب اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، ويقول "إن لا أحد طلب من المعارضة تسليم السلاح!"، ولكن مع إقرار ضمني بأن السلاح الثقيل سيكون خارج المنطقة العازلة، والإشارة الصريحة إلى أن الجنود الأتراك سيدخلون المنطقة العازلة بسلاحهم الثقيل وعتادهم العسكري الكامل، فيما تعلن المعارضة المسلحة المعتدلة رفضها أي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة المرتقبة. وما أكثر الأمثلة على هذه الضوضاء في المواقف والتصريحات، وعلى تناقض ما يُقال عما يجري على الأرض، وعلى غيرها من مكوّنات الضباب العسكري والسياسي في مشهد إدلب وجوارها. وكل ذلك دفع بمراقبين عديدين إلى تقدير مفاده أن ما يحصل في إدلب يعقّد عملية الحل، وان الخلاف العميق بين الجماعات المسلحة فيها قد يؤدي إلى صراع دموي جديد بينها. وفي خلاصة مواقف القوى المصنفة "معتدلة" من المنطقة "العازلة"، يأتي القبول الخجول، غير الصريح، أو العملي من جانب حلفاء تركيا الأقربين في المنطقة، وهم من الجيش الحر وسواه من القوى العاملة بإمرة تركيا، بمسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي عبّرت عن ثقتها، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة، القاعدة)، في أن "خصومها" من الجهاديين (المصنفين إرهابيين) سيلتزمون بشرط مغادرة المنطقة منزوعة السلاح. وفي الواقع يصعب تصور أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ستقف في مواجهة تركيا "الصديقة" صراحة أو ضمنا، رغم تصنيف تركيا لها، دون رغبة تركية حقيقية في ذلك، بأنها منظمة إرهابية، قبل أسابيع. ولم تعلن هيئة تحرير الشام (النصرة، القاعدة) موقفها الحاسم والنهائي بعد من الاتفاق، وسيلعب موقفها دورا حاسما في نجاحه أو فشله، أو ربما ستشهد بعض الانشقاقات. ولعل من المهم التمعن فيما قاله مسؤول كبير من المعارضة السورية حين أكد أن أقوى جماعة جهادية في الشمال الغربي، وهي "هيئة تحرير الشام" بعثت بإشارات سرية إلى الجيش التركي من خلال أطراف ثالثة في الأيام القليلة الماضية لتوصيل رسالة مفادها أنها ستلتزم بالاتفاق، ولكن هذا لا ينفي وجود قوى داخل النصرة تعارض بصلابة تنفيذ اتفاق المنطقة العازلة، بما يفتح الباب لاقتتال دموي محتمل. وبالنسبة لـِ "داعش"، فالصراع المسلح والدامي مع بقاياها في سوريا محسوم، رغم محاولات أطراف عديدة استثمار فلولها للتنغيص على الحكومة السورية وحلفائها، كما يحدث على سبيل المثال في جوار التنف، وفي معارك تلول الصفا في البادية السورية المجاورة للسويداء في جنوب سوريا. وفي حالة "المعتدلين"، يُقال إنهم بدأوا بالفعل بتنفيذ الاتفاق، بالتنسيق الكامل مع تركيا، بل إن المرصد السوري المعارض أعلن إن جماعة "فيلق الشام" بدأت بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، إلا أن الجماعة نفت ذلك رغم تأكيد المرصد ذلك مرة أخرى فيما بعد، لكن سرعان ما تم نفي الخبر من جانب "الجبهة الوطنية للتحرير" (الجبهة الوطنية لتحرير سوريا) التي تضم بين ما تضم من فصائل مسلحة، "فيلق الشام"، الأهم عسكريا عندها. ومختلفٌ هو الحال مع جماعة "جيش العزة" التي تنشط في ريف حماة الشمالي، التي أعلنت رفضها للاتفاق حول المنطقة العازلة، وهي أيضا تقاتل تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير. وحتى هذه الجبهة "المعتدلة" أعلنت رفضها القاطع لأي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة، رغم انه يصعب التعامل مع مثل هذه التصريحات على أنها جازمة وجدية، بل لعلها نوع من مداراة غضب بعض الأطراف المنضوية تحت لوائها، والأطراف الأخرى الحليفة موضوعيا لها، مثل جبهة النصرة، وبالأصح، الاتجاهات الأكثر تشددا في جبهة النصرة. وفي إجمال عام، يفترض سيناريو أول تنفيذ الاتفاق، مع عقبات غير كبرى، أي عقبات لا تمنع تنفيذه في نهاية المطاف. أما السيناريو الثاني فيفترض انهيارا للاتفاق، واقتتالا دمويا بين المسلحين بأطيافهم ومواقفهم المختلفة وانشقاقاتهم المحتملة، وصولا إلى انهيار خيار الحل غير المسلح بالنسبة للدولة السورية، ومعها محور المقاومة والحليف الروسي، والدخول في مواجهة دامية لإنهاء الوجود العسكري لكل القوى الخارجة عن شرعية الدولة السورية وسيادتها، كما حصل في عدد كبير من المناطق السورية الأخرى. وهناك سيناريو ثالث، يصبح أمرا واقعا، إذا ما فضّلت تركيا وجماعاتها في شمال غرب سوريا، بقبول روسي، التعامل مع رافضي الاتفاق، بالقوة المسلحة. ومما يشي بواقعية هذا الاحتمال، تعهد أنقرة لموسكو بأنها ستتولى أمر خطر المتشددين، وهي بذلك تقدم نفسها طرفا ينهى الجماعات الإرهابية في شمال غرب سوريا. وهذا المسار، على وعورته، والمقامرة الكامنة في مصائره، يقدم لتركيا ورقة إضافية في "صنع" ملامح المستقبل السياسي لسوريا، وفي تنفيذ بقية الأجندة والترتيبات التركية الخاصة بالمسألة الكردية في شمال شرق سوريا (شرق الفرات)، وتثبيت موطئ قدم عسكري وسياسي تركي مباشر قد يطول أمده في إدلب ومحيطها، والدخول بقوة على خط "لجنة صياغة الدستور السوري"، وحجز مقعد أهم في طاولة الخواتيم السياسية للملف السوري. وتبقى معلقة عشرات الأسئلة في كل هذه السيناريوهات، منها مصائر أعضاء الجماعات "الإرهابية"، ففي حين دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى القضاء عليهم في إدلب، أو محاكمتهم، أو معاقبتهم، وأن كيفية القيام بذلك ستكون حسب تطورات الأمور، تؤكد أوساط متعددة أن العمل جار لاستثمارهم في ساحات أخرى، من أفغانستان، إلى مصر، وغيرهما من الساحات، في خدمة مصالح الرعاة الأصليين لهذه الجماعات، وفي خدمتهم! وفي الحقيقة، لا يعلم أحد أبدا مصير اتفاق سوتشي (بوتين-أردوغان والمنطقة العازلة وقضية إدلب برمتها). والحلول النهائية للمشكلة غامضة، ولكن، وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "بما أننا كسبنا وقتا للمدنيين وأزلنا التهديد المباشر على الجيش السوري وعلى قاعدتنا الجوية هناك، فهذا يعني أنه تم تحقيق أشياء كثيرة من هذا الحزام الفاصل". ومن اللازم ربما تذكر أن روسيا ليست "عضوا عاملا في محور المقاومة"، وهي حليف لسوريا، والحليف له حساباته التي قد لا تتفق تماما أو بالضرورة مع حسابات حلفائه، بما لا يفسد "للتحالف" قضية... والأساس من منظور سوريا وحلفائها وأصدقائها هو القوى الذاتية، والمواقف التي تستطيع أن تتبناها وتعمل من أجلها تلك القوى، كل من موقعه، وفي عمقه القومي والإقليمي، وعلاقاته الدولية. تُرى، أين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والعرب؟ وإيران؟ هؤلاء حاضرون، بتفاوت هائل في مستوى الحضور... ولكل منهم دوره ومصالحه ووسائل فعله: • الولايات المتحدة تملك ورقة شرق الفرات عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحضور العسكري المحدود شرق الفرات، وهذه الورقة الكردية قادمة في محاولة فرض صيغة تقسيمية ما، باسم نظام فدرالي أو غيره، كنتيجة للدستور العتيد الذي سيدور صراع حاد بصدده، كونه سيمثل واحدة من أهم خلاصات الصراع "الكوني" في سوريا. ويُراد للقوى الكردية أن تكون أداة التنفيذ التقسيمية في سوريا، أو أداة المساومة المسلطة، والمأمول ألا يرضى كرد سوريا بهذا الدور المشين، وأن تنجح اللقاءات القائمة بين الدولة السورية والأطراف الكردية في درء هذا الخطر، الذي يصيب الكرد في مقتل، ويلحق بهم وبقضاياهم أفدح الأضرار. أما قاعدة التنف وما يحيطها من مجموعات داعش فتبدو على وشك الانقشاع العملي من الملف السياسي والعسكري في سوريا. • إسرائيل تعيد حسابات قواعد الاشتباك والخطوط الحمر مع صواريخ إس 300 القادمة إلى سوريا، رغم أن تغيرا عسكريا استراتيجيا لا يلوح في الأفق القريب أو المتوسط بهذا المتغير، على أهميته.. • يبدو أن إيران ممتعضة من اتفاق بوتين-أردوغان.. فهي ربما أرادت حسمًا نهائيًّا يغلق باب المداخل التركية والأميركية و"الناتوية" التي تطل منها بطرق عديدة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة، وبما يفتح لهذه الأطراف أبوابًا سياسية في الملف السياسي السوري الختامي، وهي أبواب كان يمكن إغلاقها، بعد نهاية الفصل العسكري في المحنة السورية... ولعل حزب الله وحلفاءه في محور المقاومة وأصدقاء هذا المحور يحملون عتبًا خجولاً على الموقف الروسي... دون أن يهدد ذلك التحالف القائم. • دول الخليج التي كانت فاعلة في الأزمة السورية "مشغولة" تماما بصراعاتها الداخلية، وفي "المأزق اليمني" خصوصا، وسوريا ليست على جدول الأعمال عند هذه الدول الآن. • الشعب السوري، والشعوب العربية لا تريد لسوريا إلا أن تخرج من محنتها، وأن تعيد بناء كيانها، دولة عربية واحدة موحدة سيدة على كل شبر من أرضها، وحرة وديمقراطية... إن كل حريص على سوريا، ينظر بحذر إلى مشارف الجولات السياسية القادمة للحل السياسي في سوريا، وبما يعيدنا إلى أجواء جولات جنيف الأولى، ... والحذر قائم من "الفدرالية" و"الكونفدرالية" بما هي تقسيم لسوريا بأسماء جديدة. والحذر قائم من مخاطر "لبننة" سوريا أو "عرقنتها" بوصفات المحاصصات الطائفية والعرقية-الإثنية التي تلغي مبدأ سيادة مفهوم المواطنة المدنية الحضارية المعاصرة، دولة سيادة القانون، بل وتلغي سورية التي عرفها التاريخ بتعدديتها وتنوعها، سورية المنسجمة بجمالية متنوعة وعريقة ومبدعة عبر آلاف السنين، ...
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/06 الساعة 14:50