راقبوا التغيير وادعموه
لم يعد القطاع العام المشغل الرئيسي في الأردن، فباستثناء المؤسسة العسكرية والأمنية، لا توفر الحكومة أكثر من ستة آلاف وظيفة جديدة في السنة وبرواتب محدودة وثابتة لفترة طويلة.
القطاع الخاص التقليدي من شركات كبرى وبنوك لا يتيح إلا العدد القليل من الوظائف سنويا، والحصول عليها يخضع لمنافسة شديدة، قلما يستفيد منها عشرات الآلاف من الخريجين الجدد الذين لا تتوافر لديهم الخبرات والمهارات الكافية.
بفعل هذا الوضع الاستثنائي نشأت حالة من انسداد الأفق، ضاعفت من تفاقم مشكلة البطالة في البلاد. لكن الاتجاه العريض من الشباب الذي ظل لعقود طويلة أسير ثقافة القطاعين التقليديين "العام والخاص"، قرر أن يكسر الطوق، ويدشن الطريق أمام بناء قطاع ثالث يقوم على المبادرات الفردية والجماعية لخلق فرص عمل وتأسيس مشاريع ريادية مبتكرة، على غرار أقرانهم من ملايين الشباب في العالم.
لقد تطلب هذا الأمر قدرا من المغامرة في البداية، لكن المعرفة التي اكتسبها الخريجون الجدد، والتقدم الهائل في حقل التكنولوجيا مكنا الآلاف من الشبان والشابات من تحقيق نجاحات مذهلة.
في تقريره بصحيفة الغد ليوم أمس رصد الزميل إبراهيم مبيضين قصص نجاح لشبان أردنيين طوعوا التطبيقات الذكية لتأسيس نواة عمل مدرة للدخل تحررهم من قيود الوظيفة التقليدية كما قال التقرير.
وفي حقل المبادرات الانتاجية المدرة للدخل تطالعنا وسائل الإعلام يوميا بنماذج جديدة لسيدات ورجال خاضوا تجارب موفقة، واستفادوا على نحو صحيح من النوافذ التمويلية المتاحة لتأسيس مشاريع انتاجية، توفر دخلا معتبرا لعائلاتهم يزيد بأضعاف عن راتب الوظيفة الشهري.
بحسب إحصائيات غير رسمية نشرتها "الغد" هناك ما لا يقل عن 13 ألفا من المركبات الخصوصية تعمل في مجال التطبيقات الذكية للنقل. مصادر رسمية ترجح أرقاما أكبر، لكن في كل الأحوال، ما يزيد عن خمسين ألف مواطن يحصلون على دخل شهري لا يقل عن 700 دينار، وهو في معظم الحالات يعد دخلا إضافيا للكثيرين ممن يعملون بوظائف أخرى إلى جانب العمل بتقديم خدمة النقل عبر تطبيقات التكاسي الذكية.
الثقافة التقليدية التي سيطرت على أجيال من الأردنيين في طريقها للاندثار؛ راقبوا بدقة طريقة تفكير الجيل الجديد من شبابنا، خاصة في المدن الكبرى؛ إنهم أقل اهتماما بالوظيفة الرسمية، وينظرون للعمل بشركات القطاع كجسر قصير لكسب الخبرة والمهارات الأساسية ثم التفرغ لتأسيس مشاريع صغيرة خاصة بهم، تتحول مع مرور الوقت إلى شركات في الكثير من الحالات.
وهذه الثقافة بدأت تتسلل إلى الأطراف والأرياف بفعل سهولة وانسيابية المعرفة عبر وسائل التواصل التكنولوجي، وصرنا نشهد على العشرات من قصص النجاح لشباب وشابات في مختلف المحافظات، نجحوا في إقامة مشاريع انتاجية زراعية وصناعية بسيطة تدر دخلا، بدل البقاء أسرى لثقافة انتظار الوظيفة.
لكن هذا القطاع الناهض ما يزال مشتتا، ويحتاج لمظلة وطنية ترعى نجاحاته، وتوفر له الدعم والاسناد ليتحول بالفعل إلى قطاع اقتصادي ثالث بين قطاعين تقليديين، وربما يصبح بعد سنوات المشغل الأكبر والأهم من ذلك أكثر القطاعات إنتاجية في الأردن، فما نريده لاقتصادنا، قطاعا يشغل وينتج.
الغد