بين السياسة المالية والسياسة الاقتصادية
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/14 الساعة 23:20
يكثر التلاوم بيننا حول أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا، وسبل معالجتها، ففي الوقت الذي تكثر فيه اتهامات الناس للمسؤولين بالفساد، ونهب المال العام، بغير دليل أو بينة في كثير من الأحيان، فإن المسؤولين يحاولون الخروج من هذه الأزمة، بفرض المزيد من الضرائب والرسوم على الناس، مما يعمق إحساس الناس بالأزمة الاقتصادية ويزيد من الفجوة بين الطرفين، أعني الحكومة والناس، ويرفع من وتيرة التلاوم وحدته،والذي غالباً ما يتحول إلى احتقان عام في أوساط الناس،وهذا خطر كبير يجب أن ننتبه إليه حتى لايتطور إلى مالا يحمد عقباه، مما لانرجو أن نصل إليه،خاصةوأننا جميعا شركاء في تحمل المسؤولية،وشركاء في البحث عن آليات للخروج من أزمتنا الاقتصادية.
إن أولى خطوات الخروج من أزمتنا الاقتصادية تتمثل في زيادة الإنتاج، وهذا يعني أن نشجع خطاب الإنتاج وسلوكه في بلدنا، فمن الملاحظ أن خطاب الحكومة،وكذلك خطاب النخب والكتاب ينصرف إلى الدعوة إلى ضغط النفقات، وهو الضغط الذي غالباً ما يأتي في بلادنا على حساب قضايا أساسية واستراتيجية،في طليعتها موازنات الثقافة والإعلام والإبداع على وجه العموم، علماً بأن ميزانيات الثقافة ومثلها الإعلام هي دائماً في ذيل موازنات الدولة الأردنية،حيث لا تكاد مؤسسات الدولة الثقافية والإعلامية تحصل على شيء يفوق رواتب موظفيها ونفقاتها الرأسمالية، بينما لاتنال مشروعاتها شيئاً من المال، مما يؤدي إلى شللها ولا يعود لها فائدة إلا دفع رواتب موظفيها في عملية تمويل لبطالة مقنعة، بدأت تمارسها معظم مؤسسات الدولة، بفعل سياسة ضبط النفقات وهي سياسة خطيرة، خاصة إذا طبقت على مؤسسات إعداد وتربية الإنسان كالثقافة والإعلام والوعظ والإرشاد والتعليم، لأن هذه المؤسسات فوق أنها من المكونات الاستراتيجية لبناء القوة الناعمة للدول والمجتمعات، فإنها قبل ذلك وأهم من ذلك هي التي تبني الإنسان وتنمي سلوكه واتجاهاته،وهو ما نحتاج إليه بشدة في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا، لأن جزءاً كبيرا من أسباب الأزمات التي نعيشها ومنها الأزمة الاقتصادية تتعلق بالسلوك فمن ينكر أن سبباً رئيساً من أسباب أزمتنا الاقتصادية يعود إلى سيادة مفاهيم وسلوك الاستهلاك، على حساب مفاهيم وسلوك الإنتاج، الأمر الذي يحتاج منا إلى دعم ثم توظيف مؤسسات الثقافة والإعلام و سائر فنون الإبداع لتقويم سلوكنا الاقتصادي، لأن هذا دور رئيسي للثقافة والإعلام،أو هذا هو الطبيعي عندما تكون الأمور سوية، بخلاف ماهو حاصل في بلادنا التي نحتاج فيها إلى خطاب يدعو إلى تنمية الإنتاج وترشيد الإنفاق، بدلاً من ضغطه.
لأن الإنفاق الرشيد ضروري لاستمرار الحياة، ولاستمرار مؤسسات الدولة في أداء أدوارها، وهذا يعني أننا بحاجة إلى سياسات اقتصادية، لا إلى سياسات مالية ومحاسبية، والفرق بينهما كبير. يعرفه أهل الخبرة والاختصاص، من ذلك أن المحاسبين والماليين لا تعنيهم إلا الأرقام،وتعظيم الأرباح، واكتناز الأموال، أما رجال الاقتصاد الحقيقون فإنهم يذهبون إلى ما هو أبعد من الأرقام المجردة، عندما يهتمون بدلالات وتأثيرات هذه الأرقام والقرارات المتخذة لجمع المال، خاصة إذا كان هذا الجمع للمال سيتم عن طرق رفع الضرائب والرسوم والأسعار، عندئذٍ ينتبه رجل الاقتصاد إلى الآثار الاجتماعية والسياسية للقرار المالي، فقد تكون نتائج هذا القرار أشد خطورة من الأزمة الاقتصادية التي يسعى القرار للخروج منها.
نترك الحديث عن الفرق بين المالي والاقتصادي، لنعود للحديث عن الفرق بين ضغط النفقات وترشيدها، فالضغط قد يؤدي إلى حرمان مؤسسات استراتيجية من احتياجاتها المالية لتقوم بدورها، خاصة إذا تم هذا الضغط على الطريقة الأردنية، التي يقرر فيها المحاسبون اقتطاع نسب سنوية من الموازنات العامة، دون دراسة أثر هذا الاقتطاع على أداء المؤسسات، في حين أن ترشيد الإنفاق يعني أن نعيد ترتيب الأولويات وفق الإمكانيات، فلا تتقدم ميزانية الأثاث والسيارات على ميزانية طباعة كتاب أو إنتاج مسرحية من قبل وزارة الثقافة، مثلما لا يجوز أن تتقدم ميزانية ديكور مكتب أو تركيب مصعد على ميزانية إنتاج برنامج تلفزيوني أو شراء مسلسل مهم وهادف.
خلاصة القول في هذه القضية هي: أن الخروج من أزمتنا الاقتصادية يحتاج إلى اقتصاديين، أصحاب رؤيا، لا إلى محاسبين عالمهم الأرقام المجردة، ويحتاج إلى ترشيد إنفاق على ضوء ترتيب أولويات لا إلى ضغط عشوائي للنفقات.
الرأي
إن أولى خطوات الخروج من أزمتنا الاقتصادية تتمثل في زيادة الإنتاج، وهذا يعني أن نشجع خطاب الإنتاج وسلوكه في بلدنا، فمن الملاحظ أن خطاب الحكومة،وكذلك خطاب النخب والكتاب ينصرف إلى الدعوة إلى ضغط النفقات، وهو الضغط الذي غالباً ما يأتي في بلادنا على حساب قضايا أساسية واستراتيجية،في طليعتها موازنات الثقافة والإعلام والإبداع على وجه العموم، علماً بأن ميزانيات الثقافة ومثلها الإعلام هي دائماً في ذيل موازنات الدولة الأردنية،حيث لا تكاد مؤسسات الدولة الثقافية والإعلامية تحصل على شيء يفوق رواتب موظفيها ونفقاتها الرأسمالية، بينما لاتنال مشروعاتها شيئاً من المال، مما يؤدي إلى شللها ولا يعود لها فائدة إلا دفع رواتب موظفيها في عملية تمويل لبطالة مقنعة، بدأت تمارسها معظم مؤسسات الدولة، بفعل سياسة ضبط النفقات وهي سياسة خطيرة، خاصة إذا طبقت على مؤسسات إعداد وتربية الإنسان كالثقافة والإعلام والوعظ والإرشاد والتعليم، لأن هذه المؤسسات فوق أنها من المكونات الاستراتيجية لبناء القوة الناعمة للدول والمجتمعات، فإنها قبل ذلك وأهم من ذلك هي التي تبني الإنسان وتنمي سلوكه واتجاهاته،وهو ما نحتاج إليه بشدة في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا، لأن جزءاً كبيرا من أسباب الأزمات التي نعيشها ومنها الأزمة الاقتصادية تتعلق بالسلوك فمن ينكر أن سبباً رئيساً من أسباب أزمتنا الاقتصادية يعود إلى سيادة مفاهيم وسلوك الاستهلاك، على حساب مفاهيم وسلوك الإنتاج، الأمر الذي يحتاج منا إلى دعم ثم توظيف مؤسسات الثقافة والإعلام و سائر فنون الإبداع لتقويم سلوكنا الاقتصادي، لأن هذا دور رئيسي للثقافة والإعلام،أو هذا هو الطبيعي عندما تكون الأمور سوية، بخلاف ماهو حاصل في بلادنا التي نحتاج فيها إلى خطاب يدعو إلى تنمية الإنتاج وترشيد الإنفاق، بدلاً من ضغطه.
لأن الإنفاق الرشيد ضروري لاستمرار الحياة، ولاستمرار مؤسسات الدولة في أداء أدوارها، وهذا يعني أننا بحاجة إلى سياسات اقتصادية، لا إلى سياسات مالية ومحاسبية، والفرق بينهما كبير. يعرفه أهل الخبرة والاختصاص، من ذلك أن المحاسبين والماليين لا تعنيهم إلا الأرقام،وتعظيم الأرباح، واكتناز الأموال، أما رجال الاقتصاد الحقيقون فإنهم يذهبون إلى ما هو أبعد من الأرقام المجردة، عندما يهتمون بدلالات وتأثيرات هذه الأرقام والقرارات المتخذة لجمع المال، خاصة إذا كان هذا الجمع للمال سيتم عن طرق رفع الضرائب والرسوم والأسعار، عندئذٍ ينتبه رجل الاقتصاد إلى الآثار الاجتماعية والسياسية للقرار المالي، فقد تكون نتائج هذا القرار أشد خطورة من الأزمة الاقتصادية التي يسعى القرار للخروج منها.
نترك الحديث عن الفرق بين المالي والاقتصادي، لنعود للحديث عن الفرق بين ضغط النفقات وترشيدها، فالضغط قد يؤدي إلى حرمان مؤسسات استراتيجية من احتياجاتها المالية لتقوم بدورها، خاصة إذا تم هذا الضغط على الطريقة الأردنية، التي يقرر فيها المحاسبون اقتطاع نسب سنوية من الموازنات العامة، دون دراسة أثر هذا الاقتطاع على أداء المؤسسات، في حين أن ترشيد الإنفاق يعني أن نعيد ترتيب الأولويات وفق الإمكانيات، فلا تتقدم ميزانية الأثاث والسيارات على ميزانية طباعة كتاب أو إنتاج مسرحية من قبل وزارة الثقافة، مثلما لا يجوز أن تتقدم ميزانية ديكور مكتب أو تركيب مصعد على ميزانية إنتاج برنامج تلفزيوني أو شراء مسلسل مهم وهادف.
خلاصة القول في هذه القضية هي: أن الخروج من أزمتنا الاقتصادية يحتاج إلى اقتصاديين، أصحاب رؤيا، لا إلى محاسبين عالمهم الأرقام المجردة، ويحتاج إلى ترشيد إنفاق على ضوء ترتيب أولويات لا إلى ضغط عشوائي للنفقات.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/14 الساعة 23:20