تواصل عروض رم المسرحي في اليوم الثالث بسلالم يعقوب وسطح الدار (صور)
مدار الساعة - تتواصل عروض مهرجان رم المسرحي بدورته الأولى دورة الفنان ياسر المصري في يومه الثالث بـمسرحية "سلالم يعقوب" للمخرج د.الحاكم مسعود، ومسرحية "سطح الدار" للمخرج احمد عليمات.
وكان عرض في اليوم الأول مسرحية "ع الهامش" للمخرج فراس المصري، وفي اليوم الثاني مسرحية "النافذة" للمخرجة الدكتورة مجد القصص.
وناقشت الندوة التقييمية الأولى التي أدارتها الفنانة المسرحية أسماء مصطفى العرض الأول "ع الهامش" حيث قدم الإعلامي إبراهيم السواعير قراءة في العرض، وقدم فيها مخرج العرض فراس المصري مداخلة أسهمت في تجلية جوانب مهمة منه، ودار فيها نقاش موسع حلل العديد من جوانب العرض الفنية.
مسرحية "ع الهامش" بين الفانتازيا والجنون .. غدا المثقف "ع الهامش" على أثر جدلية العلاقة الملتبسة بين السلطة بكل أشكالها والمثقف، يسير المخرج فراس المصري ملتقطا بعض الإضاءات من نص الكاتب عبدالفتاح قلعة جي الذي انتثر على خشبة المسرح الدائري في اليوم الأول لمهرجان رم المسرحي وبدورته الأولى ليلضم برؤية إخراجية واعية مسارات مضيئة بالوعي ترصد ما وراء هذا الالتباس.
العرض الأول "ع الهامش"، ابن فنتازيا الجنون، يفضح العلاقة التي يحكمها الشك والريبة وعدم الثقة ويتخللها التعارض والتناقض في صراع أزلي لن يتوقف، ما دامت شهوة السلطة والامتلاك والرغبة والاستحواذ تسيطر على النفس البشرية.
من هنا يلتقط المصري لحظة العرض ورسالته العميقة، فيستخدم كل أدواته الإبداعية على الخشبة ليعيد تفسير هذا الالتباس لكنه يقع في التباس أخر يفضي إلى التباس، فيعود أدراجه بعد أن يتأكد من أزلية ولا نهائية هذه العلاقة والتباساتها.
في النص الجديد يقدم معده أحمد أبو سويلم قراءة أخرى مغايرة للعلاقة الملتبسة لتظهر أكثر التباسا وكأن أبو سويلم الذي يقدم سيلا من الأسئلة القاسية يعيد تذكيرنا مرة أخرى انه لا تصالح بين طرفي المعادلة، وان من يقع في مصيدة هذه المصالحة يعتبر خارج نطاق التسمية لأي منهما، مما يزيد من حدة الالتباس والصراع أدرك المتابع للنص أن كلمة مثقف تعني دورا اجتماعيا لا كما هو سائد بان المثقف شخصية مكتملة البناء في كل شيء، ليعود هذا المثقف في لحظة ما إنسانا اقل من عادي، يمكن له أن يقلّب وجوهه بالشكل الذي يريده مالك السلطة حينها، وأي سلطة.
اشتغل المصري على إبراز حاجة المثقف والسلطة، وقدرة كل منهما على استنفاذ الأخر وامتصاص طاقاته ليخضعه، فظهر المثقف مسلوبا، وقويا، كما ظهر صاحب السلطة مسيطرا ومحتاجا للمثقف أحيانا.
وسط هذه الجدلية استطاع فراس المصري أن يبني أجواء عمله على إرادة المثقف في تحرير ذاته من أسرها وان يمارس دوره التنويري بحريــة فـــي نقـــده كل ما هو سائد، وبكل الوسائل، وهنا يدخل العمال الذين لا علاقة لهم بالمسرح ليتقمصوا أدوارا مختلفة يحاولون من خلالها الخروج عن صمتهم وتقديم حلول لكل ما يجري، لكن الخوف من صاحب السلطة يعيدهم إلى حيث الرعب والخوف فيفقد المثقف الأمل في التغيير حتى على مستوى الحلم.
النص المكثف والرشيق استند إلى رؤية إخراجية مهمة قدمت عناصر العمل كجزء من اللعبة، مسرح داخل المسرح، ليحضا الإنسان العادي بفرصة أن يكون مثقفا، وان يكون المثقف إنسانا عاديا، والجميع تحت قمع سلطان غير معروف، ليخرج الجميع عن صمتهم فيصرخون بأعلى أصواتهم منادين بالحرية من هذه السلطة إلا أن هذه الأصوات سرعان ما تختفي تحت لحظة خوف من هذا السلطان.
من هو خلف الكواليس يصعد الخشبة ليقود دفة السفينة، هي دعوة صريحة للخروج إلى لحظة يتحرر فيها الجميع من الخوف حتى لو كانت ليلا، حتى لو كانت خارج نطاق الضوء، هل نجرب أن نكون قادة، هل نجرب أن نكون أبطالا، ورغم خروج الجميع من ممثلين ومخرجين وجمهور، ولم يبق إلا من هم خلف الكواليس إلا أنهم لا يستطيعون، فالخوف لم ينزع، فيهرب الجميع وينزعون أغطيتهم وتبقى الفتاة وحدها لتعود لخياطة ثوبها، وممارسة فعل الحياة الروتيني الممل بعيد عن الوعي بما يدور، وحتى لو تحصّل الوعي فلا تأثير له بما أن الخوف يقبع كمظلة على رؤوس الجميع.
ينجز أبطال العمل مرام أبو الهيجا (المرأة)، حائكة ملابس الممثلين، ومحمد المجالي (الكابتن، الجنرال)، وعدي حجازي (المهرج، عامل بوفيه المسرح)، ورامي شفيق (المغني)، و(انطونيو، عامل التنظيف في المسرح)، أداورهم ببراعة، فتظهر حركتهم ضمن رؤية المخرج كخريطة طريق، إشاراتها عناصر الإضاءة الواثقة التي أسهمت في توصيف الحدث وإرساء دلالاته وكشف مكامنه، والملابس التي قدمت لحظات مختلفة تجلّت باللون والشكل والحضور لتسهم هي الأخرى برسم خارطة الطريق مع غيرها من عناصر العرض. بقي أن نقول: هذا العمل "ع الهامش" كشف عن هامشية المثقف ودوره وقدرته في التأثير ورسم إي حالة قادمة بعد أن فقد جميع أدواته وسلمها إلى السلطة بطواعية. أنت بين خيارين، البقاء تحت رهبة الخوف، أو البقاء تحت جموح دوافع الانتحار.
في العرض الثاني في الليلة الثانية من ليالي مهرجان رم المسرحي الذي جاء تحت عنوان: "النافذة" للمخرجة الدكتورة مجد القصص، ومن تأليف الكاتب العراقي مجد حميد، وإعداد مسرحي للمخرج زيد خليل مصطفى ومخرجة العمل، انفجر العالم على خشبة المسرح ليقف الإنسان بين خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء تحت رهبة الخوف، أو البقاء تحت جموح دوافع الانتحار.
في العرض الذي لعبت فيه السينوغرافيا والمواد الفيلمية دورا واضحا في الإفصاح عن الإسقاطات، جاءت ادوار الممثلين أكثر قدرة على إيصال رسائل العمل وإنضاج فكرته، وتقديم نماذج من الصراع والتشظّي بين الأفكار والرؤى التي قادت العمل من خلال سيطرتها على شخصياته.
النص الذي اشتبك مع الواقع وقدم رؤية فكرية عالية حول ما يدور من صراع في أعماق الذات البشرية اتسع ليكشف عن أخطاء العالم الذي يكتنز هو الأخر بصراعات وتشظيات وتناقضات مرعبة جعلت من العالم دوامة يدور فيها الناس دونما معرفة بالقادم، فتختلط المفاهيم وتتناقض، ويتسع الخلاف لتكون الحرية مطلبا ومصدر رعبا في آن واحد، وهو ما يجعلنا بين خيارين أحلاهما مر.
"لك أن تختار نافذتك، فإما الإبحار في عالم مليء بالحرية، و الانتحار فتسقط مخضبا بدمائك، أو تموت من شدة خوفك...عليك أن تكتشف "شباكك" بخيالك، انزع الخوف عنك لا تتركهم يرقبونك أينما ذهبت أو أينما حللت.. تخلص من خوفك المزروع منذ طفولتك في ذاتك.. اخرج من راسك ذلك العالم الجبان وتحرر، إنهم يراقبونك في كل مكان يريدون تحطيمك، يقتلون كل شيء فقط لأنه وقف في طريقهم، أو لأنهم يريدون ذلك، لا يتركونك تنهض، لكن عليك أن تنهض ولا تستسلم، وافتح النافذة ولا تحبس نفسك من شدة الخوف من صوت المطر أو البرق أو الرعد، صنعوا الحروب فاصنع أنت الأمل ولا تسكت" بكل هذا الاندفاع للبحث عن النافذة للهرب، أو لإعادة الأمل، تتكسر الشخصيات وتعود أدراجها من نفس النافذة لتقع في شرك الماضي المرعب، والذي أسس لما هو قائم.
إذا هي النافذة، مصدر الضوء في هذه العتمة المخيفة، ومصدر الذاكرة المحبطة والتي ساهمت في الوصول إلى هذا الانحراف المفضي إلى الموت والدمار والرعب الذي غير وجه الأرض.
قدمت القصص رؤية إخراجية جديدة عما سبق وحاولت أن ترسم بتجربتها الغنية لوحة واسعة التفاصيل على خشبة تضيق مع ضيق الحياة، فاستفزت بيادقها التي حركتهم في سعة من الضوء والانكشاف المعتم ليرسموا معها وجه الحقيقة البشعة والتي نعيشها دونما معرفة.
جاء أداء ممثليها على الخشبة متميزا، حيث رسم هذا الفريق مشاهد اختلطت فيها المشاعر المتناقضة فقدم حمد نجم وإياد الريموني ونهى سمارة، وهشام سويدان، ويزن أبو سويلم، ورنا قدري، جهدا واضحا تجاوز حدود الرقعة التي رسمت لهم ليفيض صدى وجعهم على معظم قضايا الإنسانية التي تعاني من الحروب والتشرد، بداء من مخاضات الولادة الأولى والهروب للبحث عن الحرية والخروج من القوقعة الأولى (بطن الأم) حتى لو كان الثمن حياة الأم وصولا إلى الخروج من القوقعة الثانية بحثا عن الخلاص حتى لو كان الثمن حياة الأم والتي تكون في المرة الثانية الوطن.
نص يستفز، وممثل يصعد على عتبات حنجرته ليرسم وجع العالم بإبهار، وعالم من الإضاءة يعيد إنتاج المأساة التي تحيط بناء كسوار المعصم.