قالب الشخصية المتديّنة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/03 الساعة 00:52
لا أدري كيف صنع المجتمع قالبا للشخصية المتديّنة يتمثل في الصمت وقلة الكلام، مع العبوس وتقطيب الجبين، والنظر شزرًا ذات اليمين وذات الشمال، مع الجدية الكاملة، وصار هذا القالب عنوانا على متدين ثقيل وراكز ذي هيبة وجلال، وسمت صالح. ومن مسلمات هذه الشخصية التي صيغت بهذا القالب أنها لا تعرف المزاح أو الضحك. وكلّ خروج للمتديّن عن هذا النمط والقالب يُعرف بالخفة وقلة العلم أو الدّين. وما أراه أن القالب السابق لا يعبّر عن حقيقة الدين، فربّما اتصف به بعض المتدينين وغيرهم من باب الصفات الشخصية الذاتية، فهم هكذا خلقوا وهذا نمطهم جبلّة دون تكلف أو تصنع، فهو يليق بهم من هذا الباب؛ لأنه يعبر عن حقيقتهم. لكن البعض الآخر لم يُخلق هكذا، بل على العكس، خلق مرحًا ضحوكًا مزوحًا يصنع البسمة والبهجة فيمن حوله. ولكنّ جزءًا من هؤلاء يضطر لأنْ يعيش شخصيتين متناقضتين: الأولى أمام الناس، وهي مظهر الجدّ والعبوس، مراعاة للقالب الذي اعتادوه، والشخصية الثانية بين الأصحاب والخلان، وهي شخصية الضحوك صاحب المواقف والطرائف المضحكة، وهي شخصيته الحقيقية. وأعتقد أنّ من حق الإنسان أن يعيش حياته بشخصيته التي خلق عليها، بلا فرق بين أن يكون ذلك أمام عامة الناس أو خاصتهم، فحيث اقتضى الموقف أن يضحك أو أن يمزح أو أن يقص الطرفة أو الدعابة فلا تجده يقصّر في ذلك، وعندها ستجد كل من حوله يضحك ويبتسم مسرورا، وهذا يجعله مصدرا للفرح والسرور، ويستطيع أن يكون داعية ناجحا إلى الله تعالى. ولكن على الجهة الأخرى لن تعدم من يقول لك: أشك أنّ هذا الشخصَ شيخ، فهذا المزاح أوالضحك ليس من سَمْت الشيوخ ولا أخلاقهم. ولا أعتب على من يحمل مثل هذا الموقف؛ لأنه يخالف القالب الذي اعتاد عليه، والنمط الذي ألِفَه. وإذا أردنا أن نجيب عمن يتمسك بالقالب النمطي السابق نقول له: ما قولك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (...وأحبّ الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم)، وقوله: (لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)، وقوله: (تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة). ثم ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزاح مع أصحابه وزوجاته والأطفال وكبار السن وغيرهم، حتى كتب أحدهم رسالة علمية بهذا الموضوع، مع التنبيه على أنه عليه الصلاة والسلام كان يمزح ولا يقول إلا حقا. أمام كل تلك النصوص هل يملك أحد أن يقول: إنّ العبوس وتقطيب الجبين هما السّمت الذي يليق بالمتدين؟ هل يريد هؤلاء الفضلاء أن يربطوا بين النكد والمتدينين، حتى صار الناس إذا رأوا متدينا قالوا: اللهم إنا نعوذ بك من الخبث والخبائث، مما يشكل في نهاية المطاف أن يصبح الدّين نفسه عنوانا للنكد والتقطيب والغضب؟ الفظاظة والغلظة ليستا من صفات النبي صلى الله عليه وسلم، وليستا من صفات أتباعه، فالدين حبّ لله وحبٌّ للناس، فكيف نصل لهذا الحب بقالب لا يشير إلا إلى الغضب والكره والتعالي على الآخرين، بدعوى سمت الصالحين، وهل هناك من هو أكثر صلاحا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما أكتبه دعوة لكسر القالب النمطي السابق، فعلى المتديّنين أن يتحرروا من قيود وأغلال ذلك القالب الذي جعل الناس يبتعدون عنهم، بل يكرهون مجالستهم؛ لأنها مجالسة ثقيلة على القلب والنفس والوجدان، وليكن النبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا جميعا. الدستور
  • مال
  • لب
  • الدين
  • أعمال
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/03 الساعة 00:52