العالوك .. طفله تلعب في خيالاتي

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/02 الساعة 15:35
موفق يوسف الخوالده العالوك
قطرتها في كتابي خمرة مزجت بريشتي وتعاويذي وأنفاسي ما ذقتها، فأنا الساقي أطوف بها في حانة العشق نشوانا على الناس جرارها الراعيات السمر فالية على الروابي بقطعان وأجراس جرارها كل رمح شق خاصرتي مهفهف من رماح البدو مياس
.
في يوم ربيعي جميل و رائع ، بروعه شمسه المشرقه وهوائه العليل . وبرفقه اشقائي الاحباء. الذين يشاركونني الزياره في رحله غداء اليها . أظبط بوصله وجهتي اليها معهم .قاصداً ربواتها واحراشها ومرابعها البديعه . كيف لا والقلب ينبض بارتعاشه وروعه اللقاء لها وبها كل حين . هي "العالوك" قريه السنديان العالي ، قِبله المحبين ومهوى العاشقين ومقصد الزائرين . حكايه الحب والشعر والطبيعه والسحر والجمال . قريه الشعر والقصيد والهجيني وحكايات الرعاه وصوت اليرغول و الشبابه هناك . وسنابل القمح والحصاد والبداوه العربيه الاصيله . رائحه البن والهيل والقهوه التي تنتشر من نوافذ وابواب بيوتها .صوت النشميات الورادات يعبئن جرار الماء على النبعه في الصباح والمساء . هي روعه وألق الحياه الريفيه، التي ألفناها منذ ايام الصبا والصبابه وايام الطفوله بذكرياتها وجميع تفاصيلها. #هي مسقط رأس شاعر الاردن حبيب الزيودي رحمه الله . الفتى البدوي الاسمر، وهو ابن العالوك البار ، و الذي سكنها وسكنت فؤاده وعشقه وغازلها شعرا ونثرا . حبيب والذي عشق تراب العالوك التي عاش بها حبه وصباه وشبابه وهاجر الى عمان وبقي يحن الى العالوك فبنى منزله بها وبقي هناك حتى أيامه الأخيره. " أرنو وغيم على "العالوك" يأخذني للنبع تحت ظلال الحور يأخذني إلى جدائل سود وهي تأخذني حيث الغوى والهوى والشعر والحلم أطير فوق سحاب كي أرى لغتي على الشواطئ مثل الموج تلتطم يطيعني القمر العالي فأقسمه والشعر كالسيف في كفي فينقسم يهفو إلى ليل ناياتي فيلتئم" هناك بعد وصولنا للمكان . وبعد ترتيب اوضاعنا وتجهيز جلستنا الجميله . وبعد شربنا للشاي المعد على نار الحطب. الرفاق معي يتأهبون لتحضير طعام الغداء . واعداد الارجيله التي تنتشر رائحه معسلها العبقه.ويتطاير دخان جمرها الى الأعلى في ارجاء المكان. معلنا روعه وبهجه الحظور . فجاهً وبدون سابق انذار. تقودني صغيرتي "جمان" من يدي، ملحّه على لأخذها كي أجمع لها باقه من الزهور والورود البريه .والتي تنتشر هنا وهناك ، مشكله لوحه ربانيه بديعه ، مع البساط الربيعي الأخضر والذي يمتد على طول المدى . الى أعلى الربوات والاحراش البعيده . أمشي مع طفلتي الحبيبه رويداً رويداً متأملاً روعه وسحر المكان .فألمح ورود الاقحوان الاصفر بأوراقه البيضاء وكذلك البيلسان والبختري والياسمين . والدحنون الاحمر يعلن سطوه حظوره في المكان والذي يتعانق ويلتحم مع السوسن الاسود بتوأمه فريده رائعه . هناك اشجار السنديان العاليه تحتضن اعشاش العصافير والدويري والشنار . تتناغم حركات اغصانها مع حركه الرياح الدافئه . التي تلطف جو المكان البديع بمشهد رائع جميل . بعد جوله جمع الزهور والورود لطفلتي الصغيره . اجلسها معي على صخره مطله مشرفه على ارجاء القريه القديمه. محدقاً ومطلقاً العنان للنظر والفكر والتامل في كل تفاصيلها . فهي مزيج من العمران القديم لبيوت الطين والحجر وكذلك البيوت الاسمنتيه الحديثه . مزيج ثقافي تراثي رائع لا تشاهده الا هنا في العالوك. . بالقرب مني ألمح واسمع أصوات الرعاه وصوت الشبابه معهم . يسوقون شلايا اغنامهم على الربوات القريبه . يتقدمها المرياع وصوت اجراسه الرنانه .تبعث في القلب عشقا وحبا لذكريات اجدادنا التي أفلت مع تسارع عجله الزمن . صوت "دواج" متعب ، انهكته شمس الظهيره وتعب التجوال ،قادم من اطراف البلده . يهم بدخولها منادياً بصوته الاجش " بضايع بضايع. يلله بضايع" .الدكاكين القديمه ترنوا ايضا للناظر من بعيد وكأنها النجوم المعلقه في وسط السماء . يجلس امامها الرجال من كبار السن يشربون الشاي ويتبادلون الحكاوي والطرائف وسيره السلف الجميله . بالقرب منهم الاطفال يلعبون عند عتباتها فرحين مبتهجين . يقولون ان الاشياء الجميله يطول عمرها في العالوك .الحياه ،الحب ، الشعر، القهوه ، الليل ، الأمل والربيع. حتى السيجاره تكاد تعمر رائحتها في فم الزائر لوقت طويل . حتى الارض تحت قدميك ،تكون طيعه لينه كالوتر . والماشي بها كما العازف مترنم ومتجلي في العزف اكثر واكثر . نعم . هي العالوك . جوهره القرى والمساكن . واحه الحب والشعر والحياه والسنديان . هي كما الام الحانيه تفتح ذراعيها لابنائها مرحبه بظيوفها وخطارها وقاصديها من كل مكان .
. وبعد هذا كله . وأنا أهّم بالرجوع الى اخواني ورفاق رحلتي الجميله . أهّم بالوقوف مع صغيرتي .مستحضراً صوت الشاعر حبيب الزيودي رحمه الله . وكأنه قادماً من نواحي واطراف القريه.يعلوا صوته شيئاً فشيئاً . يصدح صوته في ارجاء المكان مناديا ً : جيت من العالوك أطلع واصطبي " ضاق الغربي والشرقي والوسط بي يا خنجر الشوق تغلغل يصطي بي وطب ابن سينا ما داوا همنا هدّبي اشماغك يا بنيه هدبي طرت بك هيمان كيف تهدي بي الهوى ان ما هدك ترى هد بي " وضاق بينا بيت ابونا وعمنا
.
العالوك .تلك الارض الطيبه . لمن وطأت اقدامه ترابها

مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/02 الساعة 15:35