الملك: خلص بكفي
بكل تواضع يدخل الملك مرتديا بزته العسكرية قاعة اللقاء، يصافح الجميع، وأثناء ذلك لا يفوته أن يشرح سبب ارتدائه لهذه البزة قائلا بأدب جم "كنت في زيارة للقيادة العامة للقوات المسلحة". ولشخص مثلي يلتقي جلالته لأول مرة فقد كان هذا الكلام بمثابة سحابة محملة بأمطار أزاح تساقطها عن كاهلي عظمة المكان وهيبة حضوره.
لم يكن فقط صادقا وهو يتحدث في عدد من القضايا المحلية والعربية والدولية، بل كان من السهولة جدا أن تلمس لغة الإرادة التي يخاطبنا بها، تلك الإرادة الممزوجة بالحزم تجاه بعض المفاصل، خاصة تلك المتعلقة بسيادة القانون، والتي عرج عليها بالقول "المجرم أو الحرامي، مهما بلغت قوته بالدولة، ومهما بلغ نسبه سيحاسب على فعلته، وعلى الجميع أن يفهم ذلك.. إنه خط أحمر بالنسبة لي".
وأضاف جلالته "الحرب ... يا إما نلتزم بسيادة القانون، يا إما سنتخذ إجراءات"، لكن الملك أكد في ذات الوقت "رح نحتاج لبعض الوقت".
لم يكتف جلالته بهذا القول بل أوضح معلقا على بعض الحوادث التي شهدتها المملكة مؤخرا ومن أبرزها وفاة الطفل هاشم الكردي، "خلص بكفي، سنحاسب كافة المؤسسات التي لا تريد أن تعمل، وإلي ما بدو يفهم رح يلمس إجراءات بهذا الاتجاه".
لم يخف الملك استياءه من الفساد والمحسوبية والواسطة، تلك الآفات التي يجب محاربتها إذا ما أردنا تحقيق إصلاح في منظومة العمل العام، وفي المنظومة الاقتصادية قاطبة.
الملك خلال اللقاء، الذي حرص فيه على الإجابة عن كل مداخلة أو سؤال، بشفافية وعقلانية وحكمة، ووضوح، كان مستمعا جيدا، ومدركا لأدق التفاصيل، وكأنه يجوب شوارع عمان ليل نهار، وأنا شخصيا لا أعرف كيف لجلالته أن يفعل ذلك؟!.
يشرح لنا جلالة الملك عن الجيل الجديد، وحاجتنا في الأردن لتطوير الحياة السياسية، والحزبية، وأن ذلك يتأتى بوجود حزبين أو ثلاثة أحزاب يمثلون البلد بمختلف اتجاهاته، وأن تكون قادرة على الوصول لمجلس النواب. ويضيف "هذه أولوية".
لقد أشار جلالته في أكثر من موضع لجملة "حماية الأردني ورفع مستواه المعيشي"، فمن حديث الملك نستخلص أنه يجدد التأكيد على رؤيته تجاه ذلك، ولا يخفى علينا كأردنيين أن هذه الرؤية تحتاج لأدوات تنفذ توجيهات جلالته من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للوطن، ما يعود بالفائدة على المواطن، وهذا ما نأمله من حكومة الدكتور عمر الرزاز.
"الاردن الأقوى في الشرق الأوسط بالنسبة للعلاقة مع أميركا، وهناك ثقة كبيرة بالدولة الاردنية، وهذا يعطينا مساحة كبيرة لأن نذهب ونناقش"، في الواقع هذه الجملة التي أكد عليها جلالته أمس، يعكسها نجاح الدبلوماسية الأردنية في توفير الدعم للأونروا، والتأثير على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الحديث عن حل الدولتين.
لم ألحظ تحرجا في حديث أي أحد من الزملاء الإعلاميين، فقد تميز اللقاء برحابة الصدر، وهدوئه، ونجاعته، ما ساعدنا على طرح ما يجول في خاطرنا، فنحن في حقيقة الأمر صحفيون نبحث عن المعلومة، ولا يعقل أن تقف بين يدي ملك، يمنحك كامل الحرية دون أن تغوص في بحر من الأسئلة، بعضها كان حساسا، لكن في الواقع لم يتردد جلالته في الإجابة عليها بمنتهى الشفافية، إيمانا منه بأن الإعلام المهني والمسؤول شريك في دعم بلاده في مواجهة التحديات، ودوره أساسي في تقديم المعلومات والحقائق للمواطنين في ظل انتشار الأخبار المفبركة والإشاعات التي تستهدف الأردن.
كان الملك يدون الملاحظات، حتى لا يغفل عن أي سؤال طرح عليه، حرص كل الحرص على أن يمنح الزملاء وقتا كافيا للحديث، بل حرص أكثر على أن يشعرنا بأنه يستمع للجميع بكل جوارحه، وكأنه يقول "انتم هنا لتقولوا ما تشاءون، فلا تترددوا".
الغد