حدادين يكتب: الكرك شاهدة على المرحلة.. السياسة حين تُختبر بالمطر
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/31 الساعة 11:34
شهدت الكرك، كما غيرها من محافظات المملكة والعاصمة عمّان، أضراراً موجعة أعادت فتح ملف البنية التحتية بوصفه قضية سياسية بامتياز، لا حادثاً موسمياً عابراً. ما جرى لم يكن مفاجئاً في جوهره، بل كاشفاً عن اختلالات عميقة تراكمت عبر الزمن، وظهرت بوضوح مع أول اختبار حقيقي لقدرة الدولة على حماية المجال العام ومواطنيه، وفي الوقت ذاته أفسحت هذه اللحظة المجال لأصوات اعتادت استثمار الأزمات لا لمعالجتها، بل لممارسة جلد الوطن وكأن الفشل غاية بحد ذاته.
القراءة السياسية لما حدث لا تبدأ من توصيف المشهد ولا من تعداد الخسائر، بل من سؤال الدولة ووظيفتها وحدود مسؤوليتها. فالدولة الحديثة لا تُقاس فقط بسرعة الاستجابة، بل بقدرتها على التوقع والاستباق، وعلى تحويل المعرفة بالمخاطر إلى سياسات عامة راسخة. إن الاكتفاء بإرجاع ما حدث إلى “ظروف استثنائية” أو “قوة الطبيعة” هو خطاب يفرغ السياسة من معناها، ويمنح خصوم الدولة، أو من يتغذّون على الإحباط العام، مساحة أوسع لتكريس خطاب العجز والتشكيك.
لا بد من الاعتراف بأن مشكلات البنية التحتية في الأردن هي نتاج سياسات ممتدة لسنوات طويلة، وتراجع في الاستثمار الجاد في السلامة العامة، وتغليب الحلول المؤقتة على الرؤية الاستراتيجية. من هنا، فإن تحميل حكومة الدكتور جعفر حسان وحدها كامل المسؤولية هو تبسيط مخلّ لا يخدم فكرة الإصلاح ولا يعكس عدالة التقييم. بل إن الإنصاف يقتضي الإقرار بأن الحكومة الحالية تعمل بجهد كبير، وبوتيرة واضحة، في ظروف معقدة وتحديات متراكمة، وهو جهد يشهد له كثيرون في أسلوب الإدارة، وسرعة المتابعة، والاقتراب من الميدان بدل الاكتفاء بالخطاب.
غير أن هذا التقدير لا يلغي حقيقة أن الحكومة القائمة تتحمل مسؤولية أدبية وسياسية مضاعفة، لأنها تمسك بزمام القرار في لحظة كشف، لا في لحظة عادية. المسؤولية هنا ليست محاسبة قانونية بقدر ما هي اختبار أخلاقي لمدى القدرة على تحويل الأزمة إلى نقطة انطلاق، لا إلى مجرد إدارة مؤقتة للأضرار. الفرق بين دولة تتعلم ودولة تكرر أخطاءها هو ما يحدث بعد انقضاء العاصفة، لا أثناءها فقط.
الكرك، في هذا السياق، ليست مجرد محافظة تضررت، بل شاهد حي على مرحلة سياسية كاملة. مدينة ذات ثقل تاريخي ووطني عميق، ساهمت في صياغة معنى الدولة والانتماء، وقدمت عبر تاريخها نموذجاً للصبر والصلابة. ما يصيب الكرك لا يمكن فصله عن هذا الإرث، ولا اختزاله في كونه خللاً خدمياً، لأن العلاقة بين الدولة ومناطقها التاريخية هي في جوهرها علاقة ثقة وعدالة. وأهل الكرك، بوعيهم وتجربتهم، يدركون الفرق بين النقد المسؤول الذي يهدف إلى الإصلاح، وبين الخطاب الذي يتغذى على الأزمات ليهدم الثقة ويشوّه الصورة العامة.
وفي عمّان، تتجلى الإشكالية بوجه آخر. فالعاصمة، بما تمثله من مركز للقرار السياسي والإداري، تؤكد أن الخلل ليس محصوراً في الأطراف، بل يمتد إلى النموذج العام لإدارة الدولة والحيز الحضري. ومع ذلك، فإن ما يميز هذه المرحلة هو وجود إرادة سياسية حقيقية للتعامل مع هذه التحديات دون إنكار أو تجميل، وهو ما يضيّق المساحة أمام من يحاولون تحويل كل أزمة إلى منصة للطعن في الدولة ذاتها.
إن أخطر ما في هذه اللحظات ليس حجم الضرر المادي، بل خطر التطبيع مع الفشل، أو تحويل كل أزمة إلى مناسبة لإعادة إنتاج خطاب سوداوي يختزل الوطن في أخطائه، ويتجاهل حجم الجهد المبذول لتجاوزها. النقد حق وضرورة، لكنه يفقد قيمته حين يتحول إلى أداة هدم لا بناء، وحين يصبح جلد الوطن بديلاً عن السعي إلى إصلاحه.
الخلاصة أن ما جرى يجب أن يُقرأ بوصفه اختباراً لجدية الدولة في تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية، واختباراً موازياً لوعي النخب والرأي العام في التمييز بين النقد البنّاء والمزاودة. الحكومة الحالية، بما تبذله من جهد واضح، تستحق تقييماً عادلاً لا أحكاماً جاهزة، كما تستحق أن تُمنح مساحة العمل لا أن تُستنزف في معارك خطابية عقيمة. وحين تُعامل الكرك وعمّان وسائر المحافظات باعتبارها أجزاء متكاملة من معادلة الدولة، ويُغلق الباب أمام من يستمتع بجلد الوطن، يصبح الحديث عن دولة قوية حديثاً حقيقياً، لا مجرد شعار.
القراءة السياسية لما حدث لا تبدأ من توصيف المشهد ولا من تعداد الخسائر، بل من سؤال الدولة ووظيفتها وحدود مسؤوليتها. فالدولة الحديثة لا تُقاس فقط بسرعة الاستجابة، بل بقدرتها على التوقع والاستباق، وعلى تحويل المعرفة بالمخاطر إلى سياسات عامة راسخة. إن الاكتفاء بإرجاع ما حدث إلى “ظروف استثنائية” أو “قوة الطبيعة” هو خطاب يفرغ السياسة من معناها، ويمنح خصوم الدولة، أو من يتغذّون على الإحباط العام، مساحة أوسع لتكريس خطاب العجز والتشكيك.
لا بد من الاعتراف بأن مشكلات البنية التحتية في الأردن هي نتاج سياسات ممتدة لسنوات طويلة، وتراجع في الاستثمار الجاد في السلامة العامة، وتغليب الحلول المؤقتة على الرؤية الاستراتيجية. من هنا، فإن تحميل حكومة الدكتور جعفر حسان وحدها كامل المسؤولية هو تبسيط مخلّ لا يخدم فكرة الإصلاح ولا يعكس عدالة التقييم. بل إن الإنصاف يقتضي الإقرار بأن الحكومة الحالية تعمل بجهد كبير، وبوتيرة واضحة، في ظروف معقدة وتحديات متراكمة، وهو جهد يشهد له كثيرون في أسلوب الإدارة، وسرعة المتابعة، والاقتراب من الميدان بدل الاكتفاء بالخطاب.
غير أن هذا التقدير لا يلغي حقيقة أن الحكومة القائمة تتحمل مسؤولية أدبية وسياسية مضاعفة، لأنها تمسك بزمام القرار في لحظة كشف، لا في لحظة عادية. المسؤولية هنا ليست محاسبة قانونية بقدر ما هي اختبار أخلاقي لمدى القدرة على تحويل الأزمة إلى نقطة انطلاق، لا إلى مجرد إدارة مؤقتة للأضرار. الفرق بين دولة تتعلم ودولة تكرر أخطاءها هو ما يحدث بعد انقضاء العاصفة، لا أثناءها فقط.
الكرك، في هذا السياق، ليست مجرد محافظة تضررت، بل شاهد حي على مرحلة سياسية كاملة. مدينة ذات ثقل تاريخي ووطني عميق، ساهمت في صياغة معنى الدولة والانتماء، وقدمت عبر تاريخها نموذجاً للصبر والصلابة. ما يصيب الكرك لا يمكن فصله عن هذا الإرث، ولا اختزاله في كونه خللاً خدمياً، لأن العلاقة بين الدولة ومناطقها التاريخية هي في جوهرها علاقة ثقة وعدالة. وأهل الكرك، بوعيهم وتجربتهم، يدركون الفرق بين النقد المسؤول الذي يهدف إلى الإصلاح، وبين الخطاب الذي يتغذى على الأزمات ليهدم الثقة ويشوّه الصورة العامة.
وفي عمّان، تتجلى الإشكالية بوجه آخر. فالعاصمة، بما تمثله من مركز للقرار السياسي والإداري، تؤكد أن الخلل ليس محصوراً في الأطراف، بل يمتد إلى النموذج العام لإدارة الدولة والحيز الحضري. ومع ذلك، فإن ما يميز هذه المرحلة هو وجود إرادة سياسية حقيقية للتعامل مع هذه التحديات دون إنكار أو تجميل، وهو ما يضيّق المساحة أمام من يحاولون تحويل كل أزمة إلى منصة للطعن في الدولة ذاتها.
إن أخطر ما في هذه اللحظات ليس حجم الضرر المادي، بل خطر التطبيع مع الفشل، أو تحويل كل أزمة إلى مناسبة لإعادة إنتاج خطاب سوداوي يختزل الوطن في أخطائه، ويتجاهل حجم الجهد المبذول لتجاوزها. النقد حق وضرورة، لكنه يفقد قيمته حين يتحول إلى أداة هدم لا بناء، وحين يصبح جلد الوطن بديلاً عن السعي إلى إصلاحه.
الخلاصة أن ما جرى يجب أن يُقرأ بوصفه اختباراً لجدية الدولة في تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية، واختباراً موازياً لوعي النخب والرأي العام في التمييز بين النقد البنّاء والمزاودة. الحكومة الحالية، بما تبذله من جهد واضح، تستحق تقييماً عادلاً لا أحكاماً جاهزة، كما تستحق أن تُمنح مساحة العمل لا أن تُستنزف في معارك خطابية عقيمة. وحين تُعامل الكرك وعمّان وسائر المحافظات باعتبارها أجزاء متكاملة من معادلة الدولة، ويُغلق الباب أمام من يستمتع بجلد الوطن، يصبح الحديث عن دولة قوية حديثاً حقيقياً، لا مجرد شعار.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/31 الساعة 11:34