الروابدة تكتب: إدارة المبيدات الزراعية مدخل لتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاستيراد

المهندسة الزراعية فداء الروابدة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 12:57
منذ تولي جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله سلطاته الدستورية في عام 1999، أولى جلالته اهتماما ًكبيراً بالقطاع الزراعي، وشدد على أن القطاع من أهم الأولويات الوطنية، باعتباره ركيزة أساسية للتنمية بأبعادها الإقتصادية والإجتماعية والبيئية، كما وجّه جلالته إلى تكثيف الجهود والتعاون بين الجهات المعنية لتنفيذ أهداف الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021-2030.

تعتبر المبيدات الزراعية الكيماوية بأشكالها المختلفة ضرورة لا يمكن الإستغناء عنها في القطاع الزراعي، مع أن لها دور إيجابي في حماية المزارع من أخطار الآفات والأمراض النباتية وزيادة إنتاجية المحاصيل لكن الأهم معرفة المبيد الزراعي الكيماوي المناسب للآفة المناسبة وإستخدامه بطريقة صحيحة وحسب بطاقة البيان المعتمدة من المختصين في وزارة الزراعة.

ورغم ظهور العديد من التحديات المرتبطة بسوء استخدام المبيدات أو التوسع المفرط في استخدامها، أو إختيار المبيد غير المناسب ، لاتزال المبيدات حتى يومنا هذا الوسيلة الأساسية في مكافحة الآفات،رغم آثارها السلبية على صحة الإنسان والحيوان والبيئة.

من هنا تبرز أهمية إدارة المبيدات الزراعية الكيماوية وسائر أنواع المبيدات الحيوية والعضوية، لما لهذه الإدارة من دور هام في ضمان الأمن الغذائي، وسلامة الإنسان والحيوان، والمحافظة على البيئة، والحد من تراكم الملوثات في التربة والمياه الجوفية. وتزداد هذه الأهمية في ظل التحديات الإقتصادية والبيئية التي تواجه الدول ومنها الأردن، وعلى المستويات الإقليمية والعالمية.

لقد توجّه العالم منذ أكثر من عشرين عاماً إلى تقليل استخدام المبيدات الكيماوية وزيادة الإعتماد على البدائل الأكثر أماناً، حيث تبنّى الأردن منذ سنوات برامج الإدارة المتكاملة للمحاصيل الزراعية (Integrated Crop Management - ICM)، التي تعتبر المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية (Integrated Pest Management - IPM) أحد المكونات الرئيسية لهذة الإدارة، تهدف الوصول إلى منظومة زراعية أكثر استدامة وكفاءة. وفي الأردن ولضمان الإستخدام الآمن والفعال للمبيدات فقد تم الحرص على إيجاد إطار تشريعي وتنظيمي واضح من خلال قانون الزراعة رقم(13) لسنة 2015 والمنبثق عنه تعليمات تسجيل المبيدات وتصنيعها وتجهيزها واستيرادها والإتجار بها وتداولها رقم (ز/5) لسنة 2023 وغيرها من الانظمة والتعليمات ذات العلاقة، إذ تُسجَّل المبيدات وفق تشريعات وطنية تستند إلى معايير دولية، وتُشرف على ذلك لجنة وطنية تضم جهات حكومية وخاصة معنية بالملف. وبعد التسجيل يُشترط تحليل المبيدات قبل السماح بتداولها.

وبحسب وزارة الزراعة، يوجد في الأردن 27 مصنعاً محلياً لإنتاج المبيدات، و164 شركة مستوردة، تُسجَّل لديها 230 مادة فعالة تُستخدم في 2321 مبيداً مسجلاً رسمياً. وتمثل الإدارة الفاعلة للمبيدات الزراعية الكيماوية أحد العوامل الرئيسية في دعم التوجه المحلي نحو التقليل من الإستيراد وتعزيز الإنتاج المحلي،فكلما تحسّنت كفاءة استخدام المبيدات وتم ضبط تداولها، انعكس ذلك على جودة وسلامة المنتجات الزراعية الأردنية، مما يرفع من قدرتها التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية ويقلل الحاجة إلى استيراد منتجات زراعية بديلة.إضافة إلى ذلك، فإن تطوير صناعة المبيدات محلياً وخاصة المبيدات الحيوية والعضوية وتطبيق برامج الإدارة المتكاملة للآفات يساهم في ترشيد استهلاك المبيدات وتخفيض فاتورة الاستيراد للمبيدات الجاهزة من الخارج.

بمعنى آخر، يُعد تشجيع الصناعة المحلية للمبيدات الزراعية في الأردن خطوة مهمة لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الإعتماد على استيراد المبيدات من الخارج يضمن توفرها بشكل دائم للمزارعين ،وذلك يعمل على خفض التكاليف مما ينعكس ايجاباً على أسعار المنتجات الزراعية ويساعد في خلق فرص عمل وفتح مجالات جديدة للتشغيل، وتظهر القيمة المضافة لدعم الإقتصاد المحلي وتفتح آفاق أمام الباحثين المحليين لتطوير مبيدات صديقة للبيئة وتتكيف مع الظروف المناخية المحلية مما يحقق الإستدامة البيئية .

وبوجود هذا العدد من المصانع المحلية تظهر جلياً فرص التطوير لهذا القطاع بدعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستفادة من الكفاءات الأردنية في الكيمياء والزراعة والهندسة الكيميائية مع التركيز على إنتاج مبيدات حيوية (Bio-pesticides) من مصادر طبيعية أردنية تتوافق مع توجهات الزراعة المستدامة وتشجيع الإبتكار المحلي عبر حاضنات الأعمال الزراعية في المركز الوطني للبحوث الزراعية وكليات الزراعة وتكنولوجيا الزراعة في الجامعات الاردنية وتمويل المشاريع الريادية مما يساعد في تطوير منظومة انتاج وسلامة وفعالية وجودة المنتجات المحلية .

في الخلاصة

إن تحقيق الأمن الغذائي الوطني يبدأ من الحقل، والمبيدات الزراعية الكيماوية رغم تحدياتها هي العنصر الأساسي في هذا القطاع ،ودعم الصناعة المحلية وتطوير المبيدات الحيوية الأردنية يعزز دعم القرار الزراعي الوطني ويحقق رؤية الأردن في الزراعة المستدامة ويساهم في تقليل الإستيراد من هذة المواد مع المحافظة على صحة الإنسان والحيوان والبيئة وتحقيق رؤية التحديث الإقتصادي.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 12:57