'المعاملات الإلكترونية'

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 22:04
إن تسهيل إجراءات المعاملات لا يقتصر على تبسيط خطوات إدارية هنا أو تقليص مدة إنجاز معاملة هناك، لكن يتجاوز ذلك إلى إعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الكفاءة والسرعة والثقة، ومن هذا المنظور، يمكن قراءة تعديل قانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2025 بوصفه تحولا تشريعيا يعالج جذور التعقيد، لا مظاهره فقط، ويضع التحول الرقمي في إطاره القانوني الصحيح.

التحليل الموضوعي لهذا التعديل يكشف أن جوهره يتمثل في إزالة الحواجز التي عطّلت لسنوات الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا، فرفع القيود عن تقديم الخدمات إلكترونيا، وإضفاء الصفة القانونية على المستندات والسجلات الإلكترونية، يعني عمليا أن الدولة حسمت خيارها لصالح المعاملة الرقمية بوصفها الأصل، لا الاستثناء، وهذا التحول يعزز اليقين القانوني، إذ أصبحت المستندات الإلكترونية تتمتع بحجية الإسناد الخطي ذاتها، ما ينعكس مباشرة على ثقة الأفراد والشركات في استخدام القنوات الرقمية.

ولذلك، فإن توسيع نطاق التقاضي الإلكتروني وخدمات الكاتب العدل يمثل أحد أكثر التعديلات تأثيرا، فالتقاضي لطالما كان أحد أكثر المسارات استهلاكا للوقت والموارد، ومع إدخال الوسائل الإلكترونية بشكل شامل، تصبح أكثر قربا وأقل كلفة، فالتجارب العملية التي شهدت توقيع عشرات الآلاف من الوثائق إلكترونيا أظهرت أن هذا المسار قابل للتطبيق وذو نتائج ملموسة في تقليل الاكتظاظ وتسريع الإجراءات.

كما أن إلغاء الاستثناءات الواردة في القانون الأصلي يحمل دلالة تشريعية مهمة، فهذه الاستثناءات كانت في كثير من الأحيان تتعارض مع قوانين خاصة أكثر تطورا، ما جعل قانون المعاملات الإلكترونية يتحول من أداة تمكين إلى عامل تعطيل.

التعديل أعاد ترتيب هذه العلاقة، مؤكدا أولوية القوانين الخاصة في مجالات مثل الأحوال الشخصية والملكية العقارية والخدمات الأساسية، بعد أن أصبحت هذه القطاعات نفسها مهيأة للعمل إلكترونيا وفق تشريعاتها الناظمة.

الاعتراف بشهادات التصديق الإلكتروني الصادرة من خارج المملكة يفتح بدوره أفقا اقتصاديا أوسع، ويعكس فهما لحركة الأعمال والاستثمار في عالم لم تعد حدوده تقف عند الجغرافيا، كما أن تنظيم التوقيع الإلكتروني من خلال وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة يضيف درجة إضافية من الموثوقية، ويحول الرقمنة من ممارسة تقنية إلى منظومة قانونية متكاملة.

في المحصلة، فإن تعديل قانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2025 يمكن قراءته كجزء من مسار إصلاحي أوسع، يعيد تعريف مفهوم الخدمة العامة، ويجعل من تسهيل إجراءات المعاملات عنوانا لمرحلة جديدة في بناء أردن رقمي أكثر كفاءة وفاعلية.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 22:04