الكردي تكتب: كل شتوة تغرق البلد.. أزمة تتكرر بلا حلول

جوان الكردي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 17:56
مع حلول أول منخفض جوي في كل شتاء، تعود المشاهد ذاتها إلى الواجهة: شوارع تغرق بالمياه، أنفاق تتحول إلى مصائد للمركبات، محلات تجارية تتلف بضائعها، بيوت ومنازل تداهمها السيول وتخرب الأثاث ومواطنون عالقون ينتظرون تدخل الدفاع المدني. مشاهد باتت مألوفة حدّ التطبيع، وكأن الغرق أصبح جزءاً موسمياً من المشهد العام.

السؤال الذي يفرض نفسه كل عام: لماذا تتكرر الأزمة على رغم أنها تناقص كميات هطول الأمطار سنة فسنة؟ هل المشكلة في كميات الأمطار؟ أم في غياب الجهوزية؟ أم في سوء التخطيط والتنفيذ؟

الحديث عن "منخفض غير متوقع" لم يعد مقنعا. فالأردن بلد معروف بشح موسمه المطري، وكميات الأمطار باتت متوقعة علميا، بل ويتم التحذير منها مسبقا. ومع ذلك، تستمر البنية التحتية في الانهيار أمام أول اختبار حقيقي، ما يكشف خللًا حقيقيا في شبكات تصريف المياه، وسوء الصيانة المستمر، إضافة إلى مشاريع لم تُنفّذ وفق معايير فنية سليمة.

الأخطر من ذلك، أن الخسائر لا تقتصر على الممتلكات، بل تمتد إلى سلامة المواطنين، حيث سجلت في سنوات سابقة حوادث مؤلمة كان بالإمكان تفاديها لو وُجدت خطط استجابة حقيقية وبنية تحتية قادرة على الصمود.

الأدهى إنه قبل دخول كل موسم مطري، تغرقنا المؤسسات الرسمية ذات العلاقة والمجالس البلدية بسيول من الأخبار عن الشروع في تنفيذ خطط الاستعداد لاستقبال الموسم وتجهيز غرف الطوارىء وتنفيذ مشروعات لاستيعاب مخاطر هطول الأمطار وجلب آليات ومعدات كافية للتعامل مع أي طارىء، ثم يتبعها سيول أخرى جارفة من الأخبار عن اكتمال الاستعدادات وانتهاء خطط التنسيق المشتركة بين مختلف الأجهزة المعنية.

وفي كل مرة، تتبادل الجهات المعنية التصريحات وتحميل بعضها بعضاً مسؤولية الفشل في التعامل مع الأوضاع، وتُشكل لجان، وتُطلق وعود بالمحاسبة والمعالجة، ثم ما تلبث أن تُطوى الملفات مع انحسار المطر، لتعود الأزمة من جديد في الشتاء التالي، وكأن الزمن يدور في حلقة مفرغة.

ما نحتاجه اليوم ليس ردود فعل مؤقتة، بل مسؤولين أكفياء ومؤهلين قادرين على تحمل مسؤولياتهم، ورؤية شاملة لإدارة مياه الأمطار، تعي جيدا أهمية توفير وتخزين كل قطرة ماء يكرمنا بها ربنا، ونحن نعاني شحّاً متزايدا في الماء.

وأن نبدأ بمراجعة مشاريع البنية التحتية السابقة، ومحاسبة المقصرين، وتنتهي بخطط تنفيذ حقيقية تأخذ بالاعتبار تهالك البنية التحتية والحاجة إلى إعادة إنشائها على أسس سليمة، واستيعاب التغير المناخي والنمو العمراني المتسارع.

فالغرق ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة إهمال مزمن. وكل شتوة تغرق فيها البلد، يغرق معها جزء من ثقة المواطن، إهذا ذا تبقى منها شيء، بقدرة المؤسسات والقائمين عليها على حمايته وخدمته.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 17:56