التشكيك.. لماذا الآن؟

علاء القرالة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 01:27
لا يمكن قراءة توجه الأردن نحو تكثيف عمليات التنقيب عن المعادن والطاقة خارج سياق التحولات العالمية، ولا بمعزل عن «رؤية التحديث الاقتصادي» التي وضعت استثمار الموارد الطبيعية في قلب مشروعها للنمو المستدام، لما لها من دور كبير في تعزيز التنمية ورفع معدلات النمو الاقتصادي، فلماذا يحارب هذا التوجه؟.

التنقيب عن المعادن الاستراتيجية كالنحاس والذهب، إلى جانب التوسع في استكشاف الغاز الطبيعي والاستمرار في البحث عن النفط، لم يعد خيارا مؤجلا أو مغامرة غير محسوبة، بل ضرورة اقتصادية تمليها تحديات الطاقة، وضغوط البطالة، وحاجة الخزينة إلى مصادر دخل حقيقية ومتجددة.

الحكومة، في هذا الإطار، اتبعت نهجا مختلفا عما كان سائدا سابقا، ويقوم على بناء شراكات مدروسة مع شركات متخصصة، وطرح العطاءات ضمن أطر قانونية واضحة، والاستعانة بخبرات عالمية لضمان أن تكون الاتفاقيات متوازنة، تحفظ حق الدولة، وتحقق جدوى اقتصادية للمستثمر في آن واحد، وهذا ما ينطبق على مشاريع التعدين التي تخضع لمراحل استكشاف مكلفة، لا ينتقل بعدها المستثمر إلى مرحلة الامتياز إلا عند وجود مؤشرات فنية واعدة، وبمخاطر يتحملها القطاع الخاص لا الخزينة.

أهمية النماذج التعاقدية الحديثة تعتمد على «تقاسم المخاطر والعوائد»، من خلال أتاوات مرنة ترتبط بالإيرادات، وضرائب تصاعدية على الأرباح الاستثنائية، بما يضمن أن أي نجاح يفوق التوقعات ينعكس مباشرة على المالية العامة، لا على حسابها، وهذه الصيغة لا تمثل تنازلا عن الثروة الوطنية كما يحلو للبعض تصويرها، بل تجسيدا عمليا لفلسفة الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية وفق أفضل الممارسات الدولية.

للاسف ملف التعدين والطاقة ما يزال هدفا سهلا لحملات تشكيك منظمة وأخرى عفوية، تختلط فيها المخاوف البيئية بالشعبوية السياسية، وتستعاد فيها سيناريوهات التخويف ذاتها كلما طرح مشروع جديد، كما حدث في مناطق عدة سابقا، الا ان الخطر الحقيقي في هذه الحملات لا يكمن في طرح الأسئلة، بل في تحويل الشك إلى أداة تعطيل، وفي تسويق الإشاعة بوصفها حقيقة، ما يبعث برسائل سلبية للمستثمرين.

تعطيل مشاريع التعدين لا يعني حماية للثروة، بل تجميدها، وتركها حبيسة باطن الأرض، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد الوطني إلى كل فرصة نمو، ويحتاج فيه آلاف الشباب العاطلين عن العمل إلى مشاريع إنتاجية حقيقية، لا إلى وعود مؤجلة.

خلاصة القول، ان معركة الأردن اليوم ليست مع المعادن ولا مع المستثمرين، بل مع ثقافة الشك الدائم التي ترى في كل مشروع فرصة للاتهام لا للبناء، وفق رؤية التحديث الاقتصادي، التي وإن كتب لها النجاح، لن تنجح بالقرارات الحكومية وحدها، فالدولة القوية هي التي تعرف ماذا تملك، وكيف تستثمره، ومتى تفاوض عليه، وبأي شروط تحمي حقوق أجيالها القادمة.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/29 الساعة 01:27