انهيار نظرية الطاقة المظلمة: هل تتغلب الجاذبية في النهاية وتجمع المجرات مجدداً؟

مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/28 الساعة 15:15
مدار الساعة -يتصاعد الجدل حالياً حول أدلة حديثة تشير إلى أن قوة غامضة تُعرف باسم "الطاقة المظلمة" قد تكون آخذة في التغير، بطريقة تتحدى فهمنا الحالي للزمان والمكان.

وقد أشار تحليل أجراه فريق من كوريا الجنوبية إلى أنه بدلاً من استمرار الكون في التوسع، قد تنجذب المجرات لبعضها البعض مرة أخرى بفعل الجاذبية، مما يؤدي إلى ما يصفه علماء الفلك بـ "الانسحاق الشديد" (Big Crunch).

ويعتقد العلماء المشاركون أنهم قد يكونون على أعتاب واحد من أكبر الاكتشافات الفلكية منذ جيل كامل. ورغم أن علماء فلك آخرين شككوا في هذه النتائج، إلا أن هؤلاء النقاد لم يتمكنوا من دحض ادعاءات الفريق الكوري الجنوبي بشكل كامل.

ما هي الطاقة المظلمة؟

كان علماء الفلك يعتقدون سابقاً أن توسع الكون، الذي بدأ مع "الانفجار العظيم" قبل نحو 13.8 مليار سنة، يجب أن يتباطأ تدريجياً بفعل الجاذبية.

ولكن في عام 1998، اكتُشفت أدلة على وجود "الطاقة المظلمة" كقوة تعمل على تسريع توسع الكون. وأظهرت الدراسات التي أُجريت على النجوم المتفجرة شديدة السطوع، والمعروفة باسم "المستعرات العظمى" (Supernovas)، أن المجرات البعيدة تتسارع مبتعدة عن بعضها البعض بدلاً من أن تتباطأ.

واقترحت بعض النظريات أن هذا الكون المتسارع باستمرار قد يؤدي في البداية إلى تباعد النجوم لدرجة لا يكاد يظهر معها أي شيء في السماء ليلاً، والأكثر صدمة هو احتمال أن تؤدي هذه القوة في النهاية إلى تمزيق الذرات نفسها فيما يُعرف بـ "المزق العظيم" (Big Rip).

بدأ الجدل في مارس الماضي مع نتائج غير متوقعة من أداة مثبتة على تلسكوب في صحراء أريزونا تُعرف باسم "أداة طيف الطاقة المظلمة" (Desi).

صُممت هذه الأداة لاكتشاف المزيد عن الطاقة المظلمة، وقامت بتتبع تسارع ملايين المجرات بتفاصيل دقيقة، لكن النتائج التي توصلت إليها لم تكن متوقعة.

ووفقاً للبروفيسور عوفر لاهف من جامعة كوليدج لندن، المشارك في مشروع (Desi)، فإن البيانات ألمحت إلى أن تسارع المجرات قد تغير بمرور الوقت، وهو أمر لا يتوافق مع النموذج المعياري للكون.

ويقول: "الآن، مع تغير الطاقة المظلمة صعوداً وهبوطاً، نحتاج إلى آلية جديدة. قد يمثل هذا هزة لعلم الفيزياء بأكمله".

في نوفمبر، نشرت "الجمعية الفلكية الملكية" (RAS) بحثاً لفريق كوري جنوبي يبدو أنه يدعم فكرة أن غرابة الطاقة المظلمة تزداد تعقيداً. عاد البروفيسور يونغ ووك لي من جامعة "يونسي" في سيول وفريقه إلى بيانات المستعرات العظمى التي كشفت لأول مرة عن الطاقة المظلمة قبل 27 عاماً.

وبدلاً من التعامل مع هذه الانفجارات النجمية كمعيار ثابت للسطوع، قاموا بتعديل الحسابات بناءً على أعمار المجرات التي نشأت منها، وحسبوا السطوع الحقيقي للمستعرات.

أظهر هذا التعديل ليس فقط أن الطاقة المظلمة قد تغيرت بمرور الوقت، بل كشف بشكل صادم أن التسارع آخذ في التباطؤ.

أكد البروفيسور بوضوح: "مصير الكون سيتغير. إذا لم تكن الطاقة المظلمة ثابتة وكانت تضعف، فإن هذا سيغير النموذج الكامل لعلم الكونيات الحديث".

وإذا صحت نتائج البروفيسور لي، فإن القوة التي تدفع المجرات بعيداً عن بعضها (الطاقة المظلمة) قد تضعف لدرجة تسمح للجاذبية ببدء سحب المجرات نحو بعضها البعض مرة أخرى.

وأضاف: "بدلاً من الانتهاء بالمزق العظيم، أصبح الانسحاق الشديد الآن احتمالاً وارداً".

تمت مراجعة عمل البروفيسور لي من قبل خبراء ونُشر في مجلة علمية مرموقة، لكن ادعاءاته لم تلقَ قبولاً لدى العديد من كبار الفلكيين، مثل البروفيسور جورج إفستاثيو من جامعة كامبريدج، الذي يرى أن هذه النتائج قد تعكس مجرد "تفاصيل فوضوية" تتعلق بالمستعرات العظمى، معتبراً أن تطبيق "التصحيحات" بناءً على العمر يبدو أمراً غير دقيق.

ومع ذلك، يدافع البروفيسور لي بقوة عن بحثه قائلاً: "بياناتنا تعتمد على 300 مجرة، والاحتمالية الإحصائية بأن تكون هذه النتائج محض صدفة هي واحد في التريليون. لذا، أشعر بقوة أن بحثنا مهم للغاية".

منذ صدور النتائج الكورية، أعاد فريقان تقييم سطوع المستعرات العظمى للتأكد من النتائج نظراً لمدى حساسيتها. ورغم تراجع الفريقين قليلاً عن التلميحات الأصلية، إلا أن الشكوك حول تغير الطاقة المظلمة لا تزال قائمة ولم تختفِ حتى بعد الفحص الدقيق.

وبناءً على ذلك، سيستمر النقاش المحتدم حول ما إذا كان الكون يهمس لنا بطبيعته الحقيقية، أم أن علماء الفلك يطاردون "أشباحاً سماوية". ويختتم البروفيسور روبرت ماسي، نائب مدير الجمعية الفلكية الملكية، بقوله: "من لا يريد أن يفهم كيف سينتهي الكون وكيف بدأ؟ لقد كان البشر دائماً مهتمين بذلك، سواء من منظور ديني أو علمي. القدرة على التفكير في كيفية انتهاء كل شيء بعد مليارات السنين هي أمر غير عادي حقاً".
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/28 الساعة 15:15