العتوم يكتب: أهمية العلاقات الروسية – الأمريكية

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/27 الساعة 12:35
جذور العلاقات الروسية – الأمريكية عميقة جدا ،وتعود للحقبة القيصرية عام 1776 ، و لحقبة الاتحاد السوفيتي 1922 و حتى عام 1991 ، ومع بداية انفكاك روسيا عن الاتحاد السوفيتي وحتى يومنا هذا . وتعرضت العلاقات هذه لعدة مطبات لازال صداها يدوي إلى الان . فلقد سجلت الحقبة القيصرية بيع إقليم ( الاسكا) لأمريكا بثمن زهيد بسبب شعور القياصرة الروس أنذاك بتوسع مساحات القيصرية جغرافيا ، وكان ذلك عام 1867 ، و أغتيل القيصر الكسندر الثاني صاحب المشروع فعلا عام 1881 .واعتقاد روسي أفصح عنه مؤخرا مستشار الرئيس بوتين، فلاديمير ميدينسكي بأن الاسكا تم تأجيره ولم يباع .

و شهدت الحقبة السوفيتية مطبات سياسية و عسكرية أكثر صعوبة ، خاصة بعد سوء استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للسلاح النووي ضد اليابان عام 1945 فقط لإعلان إنهاء الحرب العالمية الثانية التي تمكن الاتحاد السوفيتي من وضع حد نهائي لها

، بعد ضمه لجزر الكوريل وقتها ،و حسمها عسكريا من زاوية الدفاع لا الهجوم ، و التمكن من طرد النازية الألمانية حتى برلين و رفع العلم السوفيتي فوق الرايخ الألماني .

و تمكن الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا الاتحادية من انتاج سلاح نووي مقابل عام 1949 لمواجهة تصنيع أمريكا له سابقا عام 1945.

وفي عام 1991 ،ومع تفكك الاتحاد السوفيتي الغي العمل بحلف (وراسو ) العسكري ،وهو الذي مثل الشرق منذ عام 1955، و بقي حلف ( الناتو) المؤسس عام 1949 في نفس عام تأسيس ( وارسو) عاملا ،و يتوسع شرقا . و الأهم هنا ، و الأجدر ملاحظته ، هو توجه روسيا – بوتين عام 2000 للأنضمام لحلف ( الناتو) للجم الحرب الباردة و سباق التسلح ،و للتخلص من حالة العداء التي رافقت الحضور السوفيتي إلى جانب الأمريكي . ورغم عدم قبول العرض الروسي من قبل الطرف الأمريكي ، المتعلق بالشراكة الاستراتيجية بين روسيا و( الناتو) ، إلا أن حلف( الناتو) وصل إلى استراتيجية جديدة لاتعتبر روسيا دولة عدوة ، لذلك استهجن الرئيس بوتين مؤخرا تصريح أمين عام (الناتو) مارك روته هذا العام 2025 الذي دعا من خلاله ( الناتو ) للاستعداد لمواجهة روسيا التي تهدد أمن أوروبا و الاتحاد الأوروبي ، والذي هو مجرد سراب و تقويل ، لا مكان له على أرض الواقع .

وفي المقابل ،وفي الوقت الذي يعتقد فيه ( الناتو) بأنه الأقوى عالميا ، و تعتبر أمريكا ذاتها كذلك ، وهي التي تقود احادية القطب ، بدأت تدريجيا تنشطر كرأس للناتو عن جسمها الاتحاد الأوروبي ، و تقترب خطوات جادة من روسيا ، و هو الأمر الذي يؤشر على عدم مقدرة الاتحاد الأوروبي لوحده مواجهة أية حرب دفاعية من الطرف الروسي الذي يمتلك قوة نووية تتفوق على ما يمتلكة حلف (الناتو) مجتمعا ، و هذه حقيقة لا دعاية ، خاصة ونحن نعرف ، بأن الحرب الثالثة إن وقعت لا سمح الله لن تشبه الثانية ، و سوف تكون نووية لا تبقي حجرا، و لا بشرا، و لا حضارة .

و المفترض أن يحدث إلى الأمام ،وهو المطلوب ، هو اندماج ليس ( الناتو) مع روسيا فقط ، و إنما تلاحم و التصاق أمريكا بتوجه تعددية الاقطاب ، و التخلي بالتدريج عن احادية القطب ، التوجه الذي أتعب العالم ، و عمق أزماته ، و في مقدمتها القضية الفلسطينية ، و حرب أوكرانيا شيوعا ، و الصراع في السودان ، وفي فنزويلا ، و في غير مكان .

كتاب " السياسة الدولية و الاستراتيجية – الصراع بين الولايات المتحدة ، و الصين ، و روسيا " لمؤلفه دكتور إبراهيم هاشم تحدث عن المؤثرات الداخلية على السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الاتحادية . و رأى بأن أمريكا من منظور احادية القطب تدعو لعسكرة السياسة الخارجية لتحقق انتصارات . و تدعي بأنها هي من أوقفت الزحف النازي الألماني . و تعتقد بأن دور الجيش الأمريكي في فيتنام ايجابي .و تعتقد روسيا في المقابل بأن غزوات العالم على روسيا جاءت من طرف أوروبا الشرقية ، المغول ، و العثمانيين ، و نابليون . ومع الألفية الجديدة استعادت روسيا مكانتها ،و صعد إسم فلاديمير بوتين عاليا منذ عام 2000، و أسند قوته بحزب روسيا الموحدة الحاكم ، و حقق انتصارات داخلية، و في الجوار، و أبعد. و

لا يوجد ما يمنع من التقارب الروسي الأمريكي و بالعكس ، و كلما صغرت المسافة الجيوبولوتوكية بينهما كلما نام العالم بهدوء . ولقد ثبت للبشرية

أن احادية القطب مسار ضار بمصالح أقطاب العالم ،و يتغول عليها ، و مثلي هنا ضياع القضية الفلسطينية ، و إعاقة السلام الروسي الأوكراني ، و التطاول على الثراء العربي بسبب وجود النفط و الغاز ، و التحايل على العرب ببيعهم أسلحة دفاعية، و هجومية يصعب استخدامها ، بينما الأفضل لهم توقيع معاهدات دفاع مشتركة مع كبريات الدول العظمى العادلة ، أو امتلاك سلاح رادع حقيقي ، و النهوض اقتصاديا لكي تتحقق العدالة الاجتماعية في وطننا العربي و في العالم .وفي المقابل فإن توجه تعددية الأقطاب الذي تقوده روسيا أكثر عدالة ، فهو يعامل الدول الصغيرة و كأنها عظمى ، والدول العظمى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، و الصين ، و الهند على أنها متساوية لا أكثر و لا أقل .

نتطلع لقيادة أمريكية حالية يقودها الحزب الجمهوري و الرئيس دونالد ترامب و مساعدوه تكون ثابته في استراتيجية عملها على مستوى السياستين الداخلية ، و الخارجية خاصة . و تتعامل مع دول العالم على مقياس مسطرة واحدة . و تبتعد عن وضع البزنس أساسا للعلاقات الدولية ، بينما المطلوب احترام خصوصية كل دولة و مصالحها العليا ، و كذلك الأمر بالنسبة لقضايا الأمم العالقة ، و الواجب البحث عن حلول عادلة لها . و لا يجوز أن تبقى القضية الفلسطينية عالقة من دون حلول ناجعة . و لا يجوز اطالة الحرب الأوكرانية شيوعا في زمن تنتظر فيه الدولتان الروسية و الأوكرانية سلاما عادلا . ونظام سويفت المالي الأصل أن يعود لخدمة الحركة البشرية القادمة إلى روسيا ، و الماكثة فيها ، و التي تغادرها ، وهو أمر اقتصادي هام و مطلوب أيضا .

و تصريح سيرجي لافروف الأخير بأن لا حاجة لوجود أوروبا كطرف ثالث في الاتصالات الجارية بين روسيا و الولايات المتحدة ، فالدول الغربية تحاول عزل روسيا . و شخصيا أضيف هنا بأن الاتحاد الأوروبي الذي تتقدمه ( بريطانيا ، و فرنسا ، و المانيا ) إلى جانب بولندا يضع الدواليب وسط حركة السلام الذي تقوده روسيا و أمريكا لأنهاء الحرب الأوكرانية الممتدة منذ عام 2014 و ليس من عام 2022 فقط .

السلام عزيزي القاريء لا تبنيه المؤامرات ، كما يفعل ذلك الاتحاد الأوروبي .وفي ابتعاد الرأس الأمريكي عن الجسم الأوروبي سياسيا له دلالاته الواجب أن تفضي لنتائج مفيدة على الأرض . و سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ، نعم ، صحيح .و نشوب مشكلة بين طرفين جارين مثل الروسي و الأوكراني الأصل أن تم تطويقها قبل أن تتحول إلى حرب تقليدية دائمة تنذر بحرب نووية غير محسوبة نتائجها ، و يرفضها العالم . ولم يثبت العلم حتى الساعة وجود مكان للبشرية في أي من الكواكب الأخرى غير كوكب الأرض ، وتماما كما قال رائد الفضاء المنغولي بطل الاتحاد السوفيتي قيراقا جوقيرديميد دعونا نحافظ على الأرض هو القول الفصل.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/27 الساعة 12:35