من الورق إلى الواقع.. وزارة الإدارة المحلية تعيد تعريف القرار من قلب الميدان

محمد علي الزعبي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/27 الساعة 12:27
في زمنٍ تتكاثر فيه التقارير وتبهت فيه الحقيقة بين المكاتب، يصبح القرار المكتوب بلا أثرٍ ميداني عبئًا لا قيمة له، ومن خلال الرؤية المباشرة للواقع الذي أتابعه وأشاهده، اختارت وزارة الإدارة المحلية أن تعيد تعريف القرار العام، لا بوصفه وثيقة إدارية، بل ممارسة حيّة تنزل من الورق إلى الواقع، ومن المكتب إلى الشارع، لم يكن هذا النزول فعل علاقات عامة، بل امتحانًا صريحًا للإدارة العامة، حيث يصبح الميدان مرآة الأداء، ومختبر الجدية، ومكان فرز النوايا من النتائج.

ما كشفه موقع وزارة الإدارة المحلية من توثيقٍ لما يقارب 104 زيارات ميدانية للبلديات، بين زيارات مفاجئة وأخرى مبرمجة، لا يمكن قراءته كرقمٍ عابر، إنه إعلان واضح عن نهج مختلف، ينتقل فيه مركز الثقل من التقارير إلى المعاينة، ومن التقديرات إلى المشاهدة المباشرة، الزيارات المفاجئة كسرت نمط الاطمئنان الوظيفي، وأكدت أن الرقابة حاضرة في كل وقت، وأن الخدمة العامة لا تُقاس بالدوام بل بالأثر، أما الزيارات المبرمجة، فقد اتخذت طابع التشخيص العميق، فاستمعت وناقشت وقيّمت، وربطت المشاريع بأولويات الناس لا بأجندات المجالس.

وفي قلب هذا الحراك، برزت زيارات وزير الإدارة المحلية برفقة دولة رئيس الوزراء كرسالة سياسية وإدارية مزدوجة، لم يكن الحضور المشترك بروتوكوليًا، بل إشارة صريحة إلى أن ملف البلديات لم يعد هامشيًا، وأن الحكومة المركزية وضعت يدها مباشرة على نبض الإدارة المحلية.

هذا التلاقي في الميدان أعاد الاعتبار لفكرة أن القرار لا يكتمل إلا إذا رافقته المتابعة، وأن الدعم السياسي الحقيقي هو ذاك الذي يقترن بالمحاسبة، الأهم من الزيارات ذاتها، هو القرارات التي اتُّخذت في أرض الميدان؛ قرارات لم تنتظر اجتماعات مطوّلة ولا مراسلات متبادلة، بل جاءت استجابة فورية لمشاهدات مباشرة،، تصويب اختلالات، وقف تجاوزات، إعادة ترتيب أولويات، وتسريع حلول لمشكلات خدمية طال انتظارها، هنا استعاد القرار التنفيذي قيمته، واستعاد المواطن شعوره بأن صوته يُسمع عندما تُرى مشكلته على الأرض.

هذا النهج يعكس تحوّلًا في فلسفة وزارة الإدارة المحلية، من وزارة تُدير البلديات عن بُعد، إلى وزارة شريكة في الحل، حاضرة في الشارع، تستمع للمواطن قبل المسؤول، وتبني قرارها على الواقع لا على الافتراض، وهو تحوّل يعيد صياغة العلاقة بين الحكومة والبلديات، ويؤسس لمسار ثقةٍ يحتاجه العمل المحلي بعد سنوات من التراكمات.

إن امتحان الميدان ليس سهلًا، لكنه الأكثر صدقًا، ووزارة الإدارة المحلية، بهذا الحراك المكثف، تقول بوضوح إن الدولة لا تُدار من خلف المكاتب، وإن التنمية المحلية تبدأ من البلديات، وإن الإصلاح الإداري الحقيقي لا يُكتب بل يُمارس، فحين ينتقل القرار من الورق إلى الواقع، تُختبر الجدية، ويُقاس الأداء، وتستقيم البوصلة نحو خدمة الناس، حيث يجب أن تكون.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/27 الساعة 12:27