هل هناك طموح أردني لإعادة الحكم الهاشمي إلى العراق.. لماذا الآن ومن يقف وراء الحملة؟

مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/23 الساعة 16:10
مدار الساعة - كتب: خير الله خيرالله (العرب) -إنّها ليست المرّة الأولى ولا الأخيرة التي تتعرض فيها المملكة الأردنيّة الهاشمية لإفتراءات تستهدف المسّ بصورتها وسياستها الخارجية الواضحة كلّ الوضوح. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هذه المرّة: لماذا الآن ومن يقف وراء الحملة التي تستهدف المملكة استنادا إلى تكهنات أثبتت الأحداث والوقائع أن لا علاقة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد؟


في الأمس القريب ركزت وسائل إعلام معيّنة على وثائق في الأرشيف البريطاني تتحدث عن طموح أردني لإعادة الحكم الهاشمي إلى العراق. كان ذلك في مرحلة ما قبل الحرب الأميركيّة على العراق، في العام 2003. حصلت حرب أميركية – بريطانيّة استهدفت إسقاط النظام العائلي – البعثي لصدّام حسين. تولّى البريطانيون في أعقاب الحرب شؤون جنوب العراق من منطلق أنّ لديهم معرفة سابقة بالبلد. كشفت الأحداث أنّهم أبعد ما يكون عن ذلك. كان الفشل البريطاني في جنوب العراق فشلا ذريعا على كلّ المستويات فيما فعل الأميركيون، الذين وصلوا إلى بغداد مطلع نيسان – ابريل 2003، كلّ ما في استطاعتهم فعله كي تتسلّم إيران وميليشياتها المذهبيّة هذا البلد البالغ الأهمّية على صحن من فضّة.
ليس سرّا أنّه لم يكن هناك أي تركيز أردني على عودة الحكم الهاشمي إلى العراق، خصوصا أن لدى الهاشميين تجربة مرّة مع البلد. إنّها تجربة الانقلاب العسكري الذي قضى على العائلة المالكة، بمن في ذلك الملك الشاب فيصل، ابن عم الملك حسين. كان انقلابا دمويا نفذته مجموعة من الضباط الجهلة والدمويين في 14 تموز – يوليو 1958. بعد الانقلاب لم يشهد العراق يوما أبيض ولا يزال يعاني إلى اليوم من نتائج المذبحة التي ارتكبت في حق الهاشميين. كيف يمكن لهاشمي في الأردن نسيان ذلك وتجاهل ذلك اليوم الأسود؟

كلّ ما في الأمر أنّ السكرتير الخاص لبلير توقع طرح موضوع عودة الهاشميين عشية لقاء مرتقب بين رئيس الوزراء البريطاني مع الملك عبدالله الثاني. حصل اللقاء ولم يرد في التقرير الذي كتبه لاحقا سكرتير بلير نفسه، كما يظهر الأرشيف البريطاني، ما يشير إلى أي طموح أردني لإعادة الحكم الهاشمي إلى العراق. تبين من التقرير عن اللقاء أنّ تكهنات السكرتير الخاص لم تكن في محلّها وأن الهمّ الأردني كان وقتذاك في مكان آخر.

طرح عبدالله الثاني بكل بساطة إمكان خروج صدّام حسين من السلطة وانتقاله إلى بلد آخر لعلّ ذلك يؤدي إلى تغيير للنظام في العراق من دون سفك دماء. اقترح على بريطانيا طرح هذا الخيار لعلّ وعسى يدرك صدّام أنّ الخروج من السلطة أقلّ كلفة على العراق والعراقيين. أظهر الأرشيف البريطاني أنّ العاهل الأردني كان يقوم بمحاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق. كلّ من يعرف عبدالله الثاني عن قرب يعرف تماما أنّ لا أوهام لدى الملك في ما يخصّ العراق، خصوصا أنّه يدرك تعقيدات المنطقة ويدرك خصوصا ما على المحكّ في العراق ومدى أهمّية البلد على صعيد التوازن الإستراتيجي بين العرب وإيران.

في النهاية، مضحك مثل هذا التركيز على عودة الهاشميين الذي في أساسه تكهنات وضعها في شكل نقاط السكرتير الخاص لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبيل لقائه الملك عبدالله الثاني في 25 شباط – فبراير 2003. لم يكن في اللقاء أي حديث عن الهاشميين في العراق وعن دور الأردن في تحديد مستقبل هذا البلد. لم يحد عبدالله عن خط أساسي رسمه منذ ظهور بوادر اجتياح أميركي للعراق. عمل منذ البداية من أجل تفادي حرب بات يعرف أنّه لا يمكن تفاديها من دون خروج صدّام حسين من السلطة.
يؤكّد هذا الواقع أنّه في آب – أغسطس 2003، التقى عبدالله الثاني جورج بوش الابن في البيت الأبيض. حذره من النتائج التي ستترتب على الحرب، لكنه لم يلق أذنا صاغية، خصوصا بعدما وجد أنّ الرئيس الأميركي مقتنع بالحرب وحتميتها. برّر بوش الابن موقفه بأسباب واهية من بينها أن الله، عزّ وجلّ، أمره بالتخلّص من صدّام حسين.

استوعب الأردن منذ العام 1995 خطورة بقاء صدّام حسين حاكما للعراق. حاول الملك حسين، رحمه الله، إقناع الرئيس العراقي الراحل بتغيير سلكوه واستيعاب النتائج المترتبة على قراره اجتياح الكويت في العام 1990. لكنّ كلّ جهوده باءت بالفشل. شملت جهود الملك حسين، وقتذاك، إرسال رئيس الديوان الملكي مروان القاسم إلى بغداد صيف العام 1995 مع رسالة من ثلاث نقاط إلى صدّام. لكنّ الأخير قابل النقاط الثلاث بنوع من الاستهزاء ولم يرد عليها. كانت النقطة الأولى خاصة بالتعاطي مع قرارات مجلس الأمن كقرارات سياسية لا علاقة لها بالقانون الدولي. والنقطة الثانية بالتوقف عن تقديم مكافآت إلى عائلات منفذي العمليات الانتحارية من الفلسطينيين. أمّا النقطة الثالثة فكانت تتعلق بإجراء بعض الإصلاحات الداخليّة في العراق من نوع السماح بوجود تعددية حزبية وإجراء انتخابات في ظلّ حد أدنى من الشفافية!

ادرك الأردن في كلّ وقت أهمّية العراق. تعاطى مع أمر واقع نشأ في العام 1958. لم يرّ في الحرب الأميركية على العراق فرصة لعودة الهاشميين إلى حكم البلد. ينحصر كلّ ما أراده في الحؤول دون أن يكون العراق مصدر تهديد للمملكة لا أكثر. في النهاية إن الأردن يعرف حدوده ويعرف ما يستطيع عمله وما لا يستطيع عمله ويعرف خصوصا أن عليه إقامة علاقات طيبة وطبيعية مع كلّ من يمسك بالسلطة في بغداد.

الغريب اثارة موضوع الهاشميين والعراق ولماذا الآن بالذات، إنه توقيت غريب قد لا يكون بريئا. قد يكون الموضوع مرتبطا بسياسة اردنية واضحة في ما يتعلّق بالموقف الحازم والحاسم لعبدالله الثاني في كلّ ما من شأنه منع إسرائيل من تهجير فلسطينيي الضفّة الغربيّة إلى الضفة الشرقية… أي إلى الأردن!
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/23 الساعة 16:10