بطاح يكتب: أين يقع الشرق الأوسط في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية (2025)؟

د. أحمد بطاح
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/18 الساعة 11:17
تقع منطقة الشرق الأوسط في قلب العالم وهي تشمل حسب معظم التعريفات بلاد الهلال الخصيب (العراق وبلاد الشام)، وبلدان الخليج العربي، وإيران وتركيا، وإسرائيل، كما تشمل حسب بعض التعريفات مصر وليبيا والسودان، ومن المعروف أن منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية تاريخية ففيها وُلدت حضارة وادي الرافدين، والحضارة الفرعونية وغيرهما، كما أنها كانت مهد الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام على التوالي)، وفضلاً عن ذلك فقد كانت مركز طرق التجارة التاريخية كطريق الحرير على سبيل المثال لا الحصر.

وإذا أتينا إلى الأهمية الجيوسياسية، فإنّ منطقة الشرق الأوسط ذات موقع إستراتيجي مهم حيث تربط بين ثلاث قارات (آسيا، وأوروبا، وإفريقيا)، كما تتحكم في ممرات بحرية دولية مثل قناة السويس، ومضيق هرمز، ومضيق باب المندب.

وانطلاقاً من الحقائق السابقة فإنّ إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية (2025) التي وضعتها إدارة ترامب اهتمت بهذه المنطقة ولكنها نقلتها من منطقة "ذات أولوية" إلى منطقة "مصالح حيوية"، وإذا أردنا قليلاً من التفصيل الدال فإننا يمكن أن نوضح كيف تعاملت هذه الاستراتيجية مع بلدان الشرق الأوسط على النحو الآتي:

أولاً: مع إسرائيل:

الإبقاء على الدعم الأمريكي لإسرائيل على أن يكون دعماً مشروطاً بالمصالح الأمريكية، وليس "التزاماً مطلقاً" كما كان عليه الحال في السابق مع تحفيزها على تحمل مسؤولية أكبر إزاء ضمان أمنها.

ثانياً: مع الخليج العربي:

الإبقاء على التعاون الأمني بقصد حماية الملاحة في الخليج وباب المندب، مع تشجيع دول الخليج على زيادة دورها العسكري، ولعلّنا من هنا نفهم الاتفاقية الأمنية الجديدة التي عقدتها الولايات المتحدة مع قطر واعتبارها هذه الدولة حليفاً استراتيجياً من خارج حلف الأطلسي (الناتو)، كما يمكن أن نفهم موافقة الولايات المتحدة على بيع طائرات (F.35) الشبحية إلى المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت إسرائيل هي الوحيدة التي تمتلك هذه الطائرات في الشرق الأوسط.

ثالثاً: مع سوريا:

عدم الرغبة في الانخراط الواسع ولكن مع التعاون معها في مكافحة الإرهاب (وبالذات ضد تنظيم الدولة) والحيلولة دون عودة النفوذ الإيراني، وموازنة الوجود الروسي، ولعلّ من الواضح أنّ الولايات المتحدة في صدد رفع آخر العقوبات المهمة عن سوريا (عقوبات قيصر)، كما أنها تتعاون معها ومع تركيا لضم قوات سوريا الديمقراطية (قَسَدْ) إلى الجيش السوري ليس فقط حفاظاً على وحدة التراب السوري بل للتنسيق معاً في ملاحقة تنظيم الدولة، كما أن من الواضح أنّ الولايات المتحدة لا تأخذ بجدية مطالبة "الدروز" بحق تقرير المصير في الجنوب السوري، وهي تفهم أن هذا الموضوع مرتبط بالعامل الإسرائيلي حيث من المُنتظر أن يُحلّ بعد عقد الاتفاق الأمني المأمول بين سوريا وإسرائيل.

رابعاً: مع لبنان:

التنسيق مع إسرائيل لإدامة الضغط على لبنان من أجل نزع سلاح حزب الله بصفته آخر وأهم معاقل ما يسمى "بالمحور الإيراني"، والتمهيد بعد ذلك لعقد اتفاق تطبيعي بين إسرائيل ولبنان عندما تنضج الظروف.

خامساً: مع فلسطين:

عدم التعهد بالتزامات واسعة كتبني حل الدولتين (مع عدم السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية)، ولكن مع تقديم مساعدات إنسانية كافية مشروطة بالرقابة.

سادساً: مع الأردن:

تقليل الاعتماد على المساعدات العسكرية الأمريكية، وتشجيع الأردن وبعض الدول الحليفة الأخرى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بدلاً من ذلك على بناء تحالفات حماية ذاتية، والاعتماد على شركاء إقليميين.

سابعاً: مع إيران:

الاستمرار في فرض "العقوبات القصوى" عليها، والمراقبة الحثيثة لنشاطاتها النووية من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الموضوع، والدول الأوروبية (1 + 5).

ثامناً: مع تركيا:

الاستمرار في تعميق التحالف معها بحكم أنها دولة من دول (الناتو)، كما تملك ثاني أكبر جيش فيه.

تاسعاً: مع مصر:

تدعيم التعاون معها انطلاقاً من تعاونها مع الولايات المتحدة في إرساء السلام في الشرق الأوسط، ولما لها من ثقل في المحيط العربي.

وباختصار فإنّ الولايات المتحدة طبقاً لإستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي لا تريد أن تكون "شرطي الشرق الأوسط"، وهي بدلاً من ذلك تريد تعزيز دوله لدفاعاتها الذاتية وبناء شراكات إقليمية فيما بينها، وكل ذلك بالطبع نابع من رغبتها في التركيز على الداخل الأمريكي (أمريكا أولاً كما تقول حركة MAGA المناصرة لترامب)، كما تريد أن تتفرغ لمواجهة الصين، وبدرجة أقل روسيا وإيران، كما تريد التركيز على بُعدها الأمريكي (الأمريكيتان: الشمالية والجنوبية)، ولعلّنا من هنا نستطيع أن نفهم انتشارها المكثف في البحر الكاريبي، وتحرشها ببعض دول أمريكا اللاتينية كفنزويلا وكولومبيا وغيرهما.

إنّ من الأهمية بمكان مطالعة الاستراتيجية الأمنية الجديدة للولايات المتحدة وذلك بحكم أنها أقوى دولة في العالم اليوم ولها تأثير لا يُنكر في أحداثه ووقائعه، فلعلّ هذه المطالعة تقود إلى الوعي بهذه الاستراتيجية وتمهّد للتعامل معها بالأساليب الصحيحة والفعالة.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/18 الساعة 11:17