العتوم يكتب: هواجس الغرب سرابية

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 18:04
لست مسكونا في الشأن الروسي و الدولي من دون دراية ، و من دون بعد نظر و ثقافة . و أبحث عن الحقيقة في المقابل وما وراءها من دون كلل وملل ، و هذا هو واجبي الإعلامي المهني و الاخلاقي . و أحاول أن أجد مخرجا للغرب في المقابل الذي حشر ذاته في الحرج في شأن حرب مثل الأوكرانية شيوعا لا يفهمها ، ونصب نفسه مزودا عسكريا فيها ، و موجها لها . فماذا يريد الغرب تحديدا من روسيا ؟ وما الذي يبحث عنه وسط حرب فرضت عليها و لم تختارها ، بينما يعتبر الغرب روسيا دولة اجتاحت جارتها أوكرانيا من دون سبب مقنع ،ومن دون سابق انذار ، و تمارس الاحتلالات فيها حتى . وهل بمقدور الغرب الذي أنفق أكثر من 500 مليار دولار من خزائنه على تسليح أوكرانيا ( كييف ) ، بينما المبلغ ذهب تجاه الفساد المالي، و عبر بيع السلاح إلى الخارج حيث تتواجد الأزمات ، و الحروب ، و في مقدمتها إلى السودان ، و إلى شراء الشقق الفاخرة في إسرائيل ، و في الخليج ، وفي غير مكان ، اقناع العالم ؟ . و جونيور ابن ترامب الذي اختار منطقة الريفيرا في – موناكو- القريبة من فرنسا و المطلة على البحر الأبيض المتوسط ، للراحة و الاستجمام، وهي المخصصة للأثرياء فقط ، أعلن بأن المركبات الفارهة التي شاهدها هناك كانت لأوكران ، و أدهشه المنظر في زمن الفقر الأوكراني ، و اندلاع الحرب ، وهو الذي شاهد أوكرانيا سابقا بنفسه و بات مقتنعا بأن الأثرياء منهم يقضون أوقاتهم على الشواطي الباهضة التكاليف، و يتم الدفع بالفقراء تجاه الحرب ، حيث يقتلون ، و تحصد الأخضر و اليابس . و تحليلي يقول هنا وعن دراية ( المال السايب بعلم الحرامي السرقة ) نعم صحيح .

الثلاثي الغربي ( بريطانيا ، و فرنسا ، و ألمانيا ) ومعهم بولندا ، و قيادة حلف ( الناتو ) لا ينامون الليالي ، و يجتمعون بإستمرار في لندن ، و في غيرها لأثارة الزوابع في وجه روسيا الاتحادية العظمى الناهضة بهمة قائدها الفولاذي فلاديمير بوتين ، و بهمة شعوبها ،و أصدقاء روسيا في شرق و جنوب العالم ،و بعد الانفتاح على أمريكا قائدة الغرب . و الناتو، هو حامي الغرب و ليس العكس . و يحيكون المؤامرات على روسيا بحجة الدفاع عن سيادة أوكرانيا ، وفقا لأحكام القانون الدولي من دون معرفة و عن قصد مع سبق الاصرار بأن روسيا زعيمة الاتحاد السوفيتي السابق ، و قائدة تحالف الدول المستقلة، هي من قدمت بإسم الاتحاد السوفيتي و عبر مجلس السوفييت الأعلى و قراره رقم 142 / 1990 الاستقلال لروسيا ، و الحقت به اتفاقية تفكيك الاتحاد التي اشترطت قبل اعتراف الأمم المتحدة بإستقلال أوكرانيا ، التزام الحياد ، وعدم التحالف مع منظمات معادية مثل الناتو . و قدمت لأوكرانيا القرم و الدونباس شريطة عدم التغريد خارج سرب الدول المستقلة .

و الغرب ليس أكثر حرصا على سيادة أوكرانيا من روسيا ، و ليس أكثر تفهما للقانون الدولي منها . وهو ، أي الغرب من تسلل لوجستيا إلى وسط الثورات البرتقالية ( الاصلاحية ) الأوكرانية ، ووسط انقلاب ( كييف ) عام 2014 بهدف جر أوكرانيا ليس تجاه الاتحاد الأوروبي فقط ، و لكن لكي يخترق( الناتو) أوكرانيا . وهو من شجع على حرب شعبية ثماني سنوات حصدت أرواح الأبرياء من الروس و الأوكران معا . ولو لم يتدخل الغرب سلبا في الحراك الأوكراني لبقي القرم و الدونباس في العهدة الأوكرانية . و لو انتهجت العاصمة ( كييف ) سلوك الدول المستقلة ، ومنها بيلاروسيا مثلا ، لما حركت روسيا عمليتها الروسية الخاصة الدفاعية التحريرية . و بعد ذلك ، ما الذي كسبه الغرب من تحرشه بالدولة الروسية على مدى أكثر من ثلاث سنوات ؟ هل كسب الحرب ؟ قطعا لا ، و هل نجح في اسناد السلام الروسي – الأوكراني عبر اتفاقية ( مينسك 2015 ) ، و جلسة أنقرة عام 2022 ، و جلسات اسطنبول ؟ بالتأكيد لا .

تصريح رئيس الناتو- مارك روته - بأن على حلفه الاستعداد للحرب لمواجهة روسيا الممكن أن تهاجم أوروبا و الناتو ، هو استفزازي محض ، و لا يستند لواقع . و روسيا – بوتين صرحت مرارا بأنها لا تسهدف أوروبا ، و لا الناتو ، و سخر من هكذا تصريحات لا تعبر عن مكانها و زمانها . و سبق لأوروبا أن افتعلت مشكلة مسيرات سرابية مع روسيا لم يثبت واقعها ،و نفتها روسيا و رئيسها فلاديمير بوتين .وكل ما تريده روسيا الان هو إنهاء الحرب الأوكرانية التي لم تبدأها . وهي التي حققت انتصارات كبيرة فيها فوق الطاولة الرملية ، و تنتظر مغادرة أخر جندي أوكراني للدونباس ، و تحديدا لدونيتسك ، ليتسنى لها توقيع السلام العادل المحصن لسيادتها ، و الذي يقبل به الجانب الأوكراني الغربي ، خاصة بعد قبول الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب به . و لتوقيع السلام أصبح مطلوبا اظهار نظام سياسي أوكراني شرعي في كييف العاصمة .

و رئيس وزراء بولندا - دونالد توسك - صرح حديثا ، بأن الحرب الأوكرانية ليست حربهم ، و بأنها فرضت عليهم و على أوروبا ، و هو كلام باطل لا يعكس الحقيقة ، و المعروف ، هو بأن الغرب هو من أنتج الحرب و صنعها لأسباب لا علاقة لها بسيادة أوكرانيا مثلما لها علاقة مباشرة بديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح . و المخاطرة بالتلويح بحرب ثالثة غير محسوبة نتائجها بدقة ، و ستكون وخيمة على البشرية جمعاء . و يقول بأن الحرب غير مرتبطة بحبنا لأوكرانيا ، إنها مسألة دولة تم الاعتداء عليها ، لذلك هي حربنا و ليس كما يقول الناس في وارسو . وهو الأمر المحتاج من القيادة البولندية قراءة تاريخ الحرب ، و حروب روسيا الدفاعية في التاريخ العميق و المعاصر ( الأولى ، و مع نابليون ، و الثانية مع هتلر ، و الحالية مع نظام زيلينسكي ) ، و أخذ العبرة من الحروب المدمرة ، و التوجه للسلام بعد الاستماع جيدا لموسكو ، العارفة بأحقيتها في الدفاع و في الوصول لسلام عادل .

جلسات جديدة للولايات المتحدة الأمريكية مع رئيس غرب أوكرانيا المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي في العاصمة البريطانية لندن ، وفي برلين لتوصيل مشروع السلام ، و لأقناع القيادة الأوكرانية بضرورة قبوله بعد استماع الجانب الأمريكي للموقف الروسي عبر ستيف و يتكوف ،و جاريلد كوشنير . و السلام المطلوب و الواقعي هو الذي يعترف بالقرم و الدونباس ضمن السيادة الروسية .و المعروف هو بأن روسيا قدمت الشهداء من أجل سيادتها و موقفها الثابت غير القابل للمساومات . و قدم الجانب الغربي الأوكراني الشهداء ، و بحجم كبير بعد التغرير به من قبل الغرب منذ زمن رئيس وزراء بريطانيا باريس جونسون ، ومن قبل أمريكا – جو بايدن . و لازال الأمل معقودا لبناء سلام طويل المدى يلغي احتمالات وقوع حرب عالمية مدمرة لا يحمد عقباها .و هاجس غربي يرعبهم من مواصلة موسكو السيطرة على العاصمة ( كييف ) و غرب أوكرانيا ، و التحرش بالناتو ، وهو سراب في سراب .
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 18:04