عباسي تكتب: الإبداع والتنمية.. وجهان لعملة واحدة؟
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 13:01
سؤال لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة في زمن التحولات الثقافية والتنموية
لطالما نُظر إلى الموسيقى والفنون على أنها مجرّد مساحات للمتعة والجمال، وكثيرًا ما جرى التعامل معها بوصفها ترفًا ثقافيًا أو نشاطًا هامشيًا لا يرقى إلى مستوى القطاعات "المنتِجة". غير أن التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم أعادت طرح سؤال جوهري: هل يمكن للفنون أيضًا أن تكون محرّكًا للتنمية المستدامة؟
في الواقع، لم تعد الإجابة محلّ جدل. فالصناعات الثقافيّة والإبداعيّة باتت تشكّل أحد أهمّ القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي، لما لها من قدرة على توفير فرص العمل، وتحفيز الابتكار، وتعزيز الهويّة الثقافيّة، وبناء جسور التواصل بين المجتمعات. وعندما تُدار هذه الصناعات ضمن سياسات واضحة، تتحول إلى مورد اقتصادي وثقافي في آنٍ واحد.
وعلى هذا الأساس، لا يقتصر دعم الفنون على الحفاظ على التراث فحسب، بل الاستثمار في الهوية الوطنية نفسها؛ إذ تكمن أهمية الفنون في قدرتها على التعبير عن الذاكرة الجمعية للمجتمعات. فالأغنية الشعبية، والمسرح، والفنون البصرية، ليست مجرد نتاجات إبداعية، بل وثائق حيّة تحفظ التاريخ غير المكتوب، وتنقل القيم والرموز واللغة من جيل إلى آخر.
وفي سياق التنمية المستدامة، تلعب الصناعات الثقافية دورًا يتجاوز البعد الاقتصادي. فهي تسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي، وفتح مساحات للتعبير، وتمكين الشباب والنساء، وإتاحة فرص بديلة في المجتمعات المحليّة، خصوصًا في المناطق التي تعاني من محدودية الخيارات التنمويّة التقليديّة. فمشروع فنّي صغير قد يفتح سلسلة من الفرص، من التدريب إلى الإنتاج، وصولًا إلى التسويق والسياحة الثقافيّة.
إلا أن جعل الإبداع ركيزة تنموية مستدامة يستدعي أكثر من المبادرات الفرديّة والجهود الآنيّة. هنا تبرز أهمية السياسات الثقافيّة القائمة على الأدلّة والمعرفة. فغياب البيانات، وضعف التخطيط، وارتجاليّة القرارات، لطالما كانت من أبرز التحديات التي واجهت القطاع الثقافي في المنطقة. أما اليوم، فثمّة إدراك متزايد بأنّ الثقافة، كغيرها من القطاعات، تحتاج إلى دراسات، ومؤشّرات، وأُطُر تنظيميّة واضحة تضمن استدامتها.
من هذا المنطلق، جاء إطلاق "مشروع تعزيز السياسات والإجراءات القائمة على الأدلة لدعم مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في التنمية المستدامة"، بالتعاون بين وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، ليُعيد تسليط الضوء على هذا المسار، ويطرح مقاربة مختلفة للتعامل مع الثقافة باعتبارها قطاعًا يحتاج إلى تخطيط ومعرفة، لا إلى مبادرات موسميّة.
وتعكس هذه الخطوة تعاونًا مؤسسيًا يسعى إلى دمج الثقافة ضمن السياسات العامّة الأوسع، بما يضمن تطوير بيئة حاضنة للإبداع، قادرة على الاستمرار، وتحترم خصوصيّة العمل الفنيّ واستقلاليّته. فالسياسة الثقافيّة الناجحة ليست تلك التي تُقيّد الإبداع، بل التي تهيّئ له شروط النمو والاستدامة.
إنّ التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في الاعتراف بأهميّة الفنون، بل في ترجمة هذا الاعتراف إلى سياسات ملموسة؛ تعليم موسيقي وفنّي نوعي، تشريعات تحمي حقوق المبدعين، بنية تحتيّة ثقافيّة عادلة، وشراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص. فالإبداع لا يزدهر في الفراغ، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة تؤمن بدوره وتعمل على دعمه.
ختامًا، يمكن القول إن الاستثمار في الموسيقى والفنون لم يعد ترفًا فكريًا، بل خيارًا استراتيجيًا. فالتنمية التي تتجاهل الثقافة تبقى ناقصة، والمجتمع الذي لا يمنح الإبداع مكانه الطبيعي يخسر إحدى أهم أدوات تقدّمه. إنّ التكامل بين الفنّ والسياسة الثقافيّة يفتح المجال لبناء مستقبل تنموي أكثر توازنًا وإنسانيّة.
لطالما نُظر إلى الموسيقى والفنون على أنها مجرّد مساحات للمتعة والجمال، وكثيرًا ما جرى التعامل معها بوصفها ترفًا ثقافيًا أو نشاطًا هامشيًا لا يرقى إلى مستوى القطاعات "المنتِجة". غير أن التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم أعادت طرح سؤال جوهري: هل يمكن للفنون أيضًا أن تكون محرّكًا للتنمية المستدامة؟
في الواقع، لم تعد الإجابة محلّ جدل. فالصناعات الثقافيّة والإبداعيّة باتت تشكّل أحد أهمّ القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي، لما لها من قدرة على توفير فرص العمل، وتحفيز الابتكار، وتعزيز الهويّة الثقافيّة، وبناء جسور التواصل بين المجتمعات. وعندما تُدار هذه الصناعات ضمن سياسات واضحة، تتحول إلى مورد اقتصادي وثقافي في آنٍ واحد.
وعلى هذا الأساس، لا يقتصر دعم الفنون على الحفاظ على التراث فحسب، بل الاستثمار في الهوية الوطنية نفسها؛ إذ تكمن أهمية الفنون في قدرتها على التعبير عن الذاكرة الجمعية للمجتمعات. فالأغنية الشعبية، والمسرح، والفنون البصرية، ليست مجرد نتاجات إبداعية، بل وثائق حيّة تحفظ التاريخ غير المكتوب، وتنقل القيم والرموز واللغة من جيل إلى آخر.
وفي سياق التنمية المستدامة، تلعب الصناعات الثقافية دورًا يتجاوز البعد الاقتصادي. فهي تسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي، وفتح مساحات للتعبير، وتمكين الشباب والنساء، وإتاحة فرص بديلة في المجتمعات المحليّة، خصوصًا في المناطق التي تعاني من محدودية الخيارات التنمويّة التقليديّة. فمشروع فنّي صغير قد يفتح سلسلة من الفرص، من التدريب إلى الإنتاج، وصولًا إلى التسويق والسياحة الثقافيّة.
إلا أن جعل الإبداع ركيزة تنموية مستدامة يستدعي أكثر من المبادرات الفرديّة والجهود الآنيّة. هنا تبرز أهمية السياسات الثقافيّة القائمة على الأدلّة والمعرفة. فغياب البيانات، وضعف التخطيط، وارتجاليّة القرارات، لطالما كانت من أبرز التحديات التي واجهت القطاع الثقافي في المنطقة. أما اليوم، فثمّة إدراك متزايد بأنّ الثقافة، كغيرها من القطاعات، تحتاج إلى دراسات، ومؤشّرات، وأُطُر تنظيميّة واضحة تضمن استدامتها.
من هذا المنطلق، جاء إطلاق "مشروع تعزيز السياسات والإجراءات القائمة على الأدلة لدعم مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في التنمية المستدامة"، بالتعاون بين وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، ليُعيد تسليط الضوء على هذا المسار، ويطرح مقاربة مختلفة للتعامل مع الثقافة باعتبارها قطاعًا يحتاج إلى تخطيط ومعرفة، لا إلى مبادرات موسميّة.
وتعكس هذه الخطوة تعاونًا مؤسسيًا يسعى إلى دمج الثقافة ضمن السياسات العامّة الأوسع، بما يضمن تطوير بيئة حاضنة للإبداع، قادرة على الاستمرار، وتحترم خصوصيّة العمل الفنيّ واستقلاليّته. فالسياسة الثقافيّة الناجحة ليست تلك التي تُقيّد الإبداع، بل التي تهيّئ له شروط النمو والاستدامة.
إنّ التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في الاعتراف بأهميّة الفنون، بل في ترجمة هذا الاعتراف إلى سياسات ملموسة؛ تعليم موسيقي وفنّي نوعي، تشريعات تحمي حقوق المبدعين، بنية تحتيّة ثقافيّة عادلة، وشراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص. فالإبداع لا يزدهر في الفراغ، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة تؤمن بدوره وتعمل على دعمه.
ختامًا، يمكن القول إن الاستثمار في الموسيقى والفنون لم يعد ترفًا فكريًا، بل خيارًا استراتيجيًا. فالتنمية التي تتجاهل الثقافة تبقى ناقصة، والمجتمع الذي لا يمنح الإبداع مكانه الطبيعي يخسر إحدى أهم أدوات تقدّمه. إنّ التكامل بين الفنّ والسياسة الثقافيّة يفتح المجال لبناء مستقبل تنموي أكثر توازنًا وإنسانيّة.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 13:01