حدادين يكتب: إشراك الشباب في السياسة لم يعد ترفًا

المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 21:52
المشهد السياسي الأردني يقف اليوم عند نقطة لا تحتمل التجميل ولا الخطاب الموارب. نحن أمام استحقاق انتخابي قادم سيكشف بوضوح من يمتلك مشروعًا سياسيًا حقيقيًا، ومن يكتفي بإدارة الوقت بانتظار النتائج. هذه المرحلة ليست عابرة، بل فاصلة، لأنها ستحدد ما إذا كانت القوى السياسية قادرة على إعادة بناء الثقة مع المواطنين، أو ستكرّس القطيعة القائمة تحت عناوين مألوفة فقدت معناها.

الشباب، بعكس ما يُراد تسويقه، ليسوا غائبين عن السياسة ولا خارجين عنها. هم الأكثر وعيًا بتفاصيلها، والأكثر إدراكًا لحجم التهميش الذي تعرضوا له عبر سنوات طويلة. هذا الجيل يعرف جيدًا كيف أُغلقت الأبواب أمامه، ويفهم أن كثيرًا من الدعوات إلى المشاركة لم تتجاوز حدود الشكل، ولم تمنحه يومًا دورًا حقيقيًا في صناعة القرار أو التأثير في اتجاهاته.

من وجهة نظري، الخلل القائم لا يعود إلى عزوف الشباب أو ضعف اهتمامهم، بل إلى طريقة إدارة العمل السياسي والحزبي على حدّ سواء، وإلى نماذج تنظيمية ما تزال عاجزة عن استيعاب طاقات جديدة أو منحها وزنًا فعليًا. كثير من الأحزاب تُدار بعقلية مغلقة، ترى في الشباب رقمًا انتخابيًا أو واجهة إعلامية، لا شريكًا سياسيًا كامل الحقوق. وهذه إحدى أهم أسباب تآكل الثقة بين الفاعلين السياسيين والشارع.

وهنا لا بد من تحميل المسؤولية بوضوح. الحكومة ومجلس النواب يتحملان دور مشترك عن هذا الواقع. الحكومة مطالبة بأن تنتقل من خطاب التمكين إلى ممارسته الفعلية، عبر تشريعات وإجراءات تفتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقية لا شكلية. أما مجلس النواب، فهو مطالب بمراجعة دوره بجرأة، والسؤال بصدق عمّا إذا كان يعكس التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد، أم يكتفي بإعادة إنتاج نفسه ضمن دائرة مغلقة.

ما يثير القلق أن بعض الأحزاب ما تزال تراهن على عامل الوقت، وكأن ثقة الشارع يمكن استعادتها قبيل الانتخابات بخطابات سريعة أو تحالفات ظرفية. هذا رهان خاسر. المصداقية لا تُبنى في موسم انتخابي، ولا تُستعاد ببيانات عامة، بل عبر ممارسة سياسية طويلة تقوم على الوضوح، وتحمل المسؤولية، والاستعداد لدفع كلفة المواقف.

ما نعيشه اليوم ليس نقصًا في الفهم ولا غموضًا في الصورة، بل ترددًا في اتخاذ القرار. الجميع يعرف أن إشراك الشباب لم يعد خيارًا، وأن استخدامهم كديكور سياسي لم يعد قابلًا للتسويق. الاستمرار في هذا النهج لن يؤجل الاستحقاق، بل سيعمّق الفجوة بين المجتمع والمشهد السياسي. ومن يعتقد أن هذه المرحلة يمكن تجاوزها دون تغيير حقيقي، يسيء قراءة الواقع.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 21:52