النعيمات يكتب: من الملعب إلى الوطن.. دروس في الإرادة والانتماء

أ.د.أسامة أحمد النعيمات
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 21:28
لم يكن فوز المنتخب الوطني الأردني وما حققه من إنجازات مجرد حدث رياضي عابر يندرج في إطار المنافسة والنتائج، بل شكّل لحظة وعي وطني مكثفة انتقلت فيها الدلالة من حدود الملعب إلى فضاء الوطن بأكمله، لتطرح أسئلة أعمق حول معنى الانتماء، وطبيعة الإرادة، وكيف تُصنع النجاحات في ظل تحديات حقيقية وإمكانات محدودة، فقد أعاد هذا الإنجاز تعريف الانتماء بوصفه ممارسة يومية ومسؤولية جماعية لا شعارًا موسميًا، حيث تجسّد حب الوطن في الجهد والانضباط والتضحية وتحمل الضغط، وظهر اللاعب الأردني مثالًا للمواطن الذي يدافع عن اسمه ورايته بإخلاص وهدوء وثقة، دون ادعاء أو مبالغة، وهو درس أخلاقي قبل أن يكون رياضيًا يؤكد أن الانتماء الحقيقي يُقاس بما نقدمه لا بما نعلنه، كما أثبت المنتخب أن الإرادة حين تتحول إلى ثقافة عمل جماعي منظم قادرة على تجاوز الفوارق الفنية والمالية، وأن النجاح لا يولد من النجم الفرد بل من المنظومة المتكاملة التي تحترم الأدوار وتؤمن بالهدف المشترك، وهو ما يحمل رسالة واضحة لكل مؤسسات الدولة مفادها أن الإدارة الرشيدة والعمل بروح الفريق يشكلان المدخل الحقيقي للإنتاجية والاستقرار، ويكشف هذا الفوز أيضًا عن أهمية الثقة بالكفاءات الوطنية، إذ برهن أن الإنسان الأردني يمتلك القدرة على المنافسة والتميّز متى ما أُحسن اختياره وتأهيله ومنح الثقة والاستمرارية، وأن الاعتماد على الذات ليس خيارًا عاطفيًا بل ضرورة سيادية وتنموية، ويؤكد هذا الإنجاز أن الصبر والتراكم والتعلم من الإخفاقات هي جوهر أي نجاح مستدام، فالتأهل لم يكن وليد لحظة أو ضربة حظ، بل ثمرة مسار طويل من التجربة والتصحيح والتطوير، وهو ما يعيد الاعتبار لفكرة التخطيط بعيد المدى بدل البحث عن حلول سريعة لا تصنع أثرًا حقيقيًا، كما يسلّط فوز المنتخب الضوء على دور القيادة الواعية القادرة على خلق توازن دقيق بين الانضباط والتحفيز، وبين الحزم والثقة، وتحويل الضغط إلى طاقة إيجابية، فكانت القيادة عامل توحيد وبوصلة اتجاه لا مجرد سلطة إدارية، وبلغت رمزية الإنجاز ذروتها حين تحوّل إلى حالة وطنية جامعة، التقى فيها الأردنيون على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم حول فرح واحد وراية واحدة، في مشهد يعكس عمق الهوية المشتركة وقدرتها على تجاوز الخلافات، ويؤكد أن الوطن يشتد عوده حين يلتف أبناؤه حول النجاح لا حول الإحباط، وأن الإنجاز حين يكون وطنيًا يتحول إلى طاقة معنوية تعزز الثقة بالمستقبل، ويعلّمنا هذا الفوز أخيرًا أن التحديات والضغوط ليست مبررًا للتراجع أو التذرع بالظروف، بل فرصة لإثبات الصلابة وتحويل الصعوبات إلى دافع للإنجاز، وأن الأمم لا تُقاس بغياب الأزمات بل بقدرتها على إدارتها وتجاوزها، ليبقى الدرس الأعمق أن الطريق من الملعب إلى الوطن هو طريق القيم ذاتها، إرادة صلبة، وانتماء واعٍ، وعمل صادق، وأن ما حققه المنتخب ليس نهاية إنجاز بل بداية وعي يمكن أن يُعاد إنتاجه في كل مجال إذا ما أُحسن فهم الدرس والبناء عليه.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 21:28