المجالي يكتب: براغماتية ترامب.. سياسة الصفقات حين ترتدي ربطة عنق الدولة

مؤيد المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/15 الساعة 11:03
ليس من السهل إدراج الرئيس دونالد ترامب ضمن مدرسة فكرية سياسية واضحة. فهو بالتأكيد لا ينتمي إلى المحافظة الكلاسيكية، وهو بالتأكيد أيضًا لا ينتمي إلى الليبرالية الجديدة، ولا حتى إلى الشعبوية بصيغتها التقليدية. ومع ذلك، فإن أكثر توصيف يقترب من فهم سلوكه السياسي هو أنه رئيس براغماتي… ولكن على طريقته الخاصة.

براغماتية بلا فلسفة

البراغماتية في معناها السياسي الرصين تقوم على اختبار الأفكار بالنتائج، وربط القرار بالمصلحة العامة طويلة الأمد، ضمن إطار مؤسسي مستقر. أما عند ترامب، فنحن أمام براغماتية منزوعة من الفلسفة، لا تسأل كثيرًا عن المبادئ بقدر ما تفتش عن المكاسب الآنية: شعبية انتخابية، صورة إعلامية، أو صفقة رابحة يمكن تسويقها للرأي العام.

ترامب لا يبدأ من سؤال: ما الذي يجب فعله؟ بل من سؤال أكثر مباشرة: ما الذي يربح؟ وهنا تتحول السياسة إلى ساحة تفاوض مفتوح، تُرفع فيها السقوف، ويُستخدم الضغط، ثم يُقدَّم التراجع بوصفه إنجازًا.

الدولة بوصفها شركة

في عقل ترامب، الدولة ليست منظومة قيم أو التزامات تاريخية، بل شركة كبرى تحتاج إلى مدير تنفيذي قوي. الحلفاء شركاء يمكن إعادة التفاوض معهم، والخصوم زبائن صعبي المراس، والمؤسسات عبء بيروقراطي إن لم تُظهر ولاءً مباشرًا للرئيس.

هذه المقاربة جعلته يتعامل مع الملفات الكبرى – من التجارة الدولية إلى التحالفات العسكرية – بذهنية الصفقة لا الاستراتيجية. لذلك رأيناه يضغط على حلف شمال الأطلسي، ويعيد تعريف العلاقة مع الصين، ويتعامل مع القضايا الدولية من منطق الكلفة والعائد، لا من منطق التوازنات طويلة الأمد.

براغماتية شخصية لا مؤسسية

الإشكالية الجوهرية في براغماتية ترامب أنها مرتبطة بشخصه لا بالدولة. فهي براغماتية زعيم، لا براغماتية نظام. تتغير بتغير مزاجه، وتتصاعد أو تنخفض وفق استطلاعات الرأي، وتُعاد صياغتها بما يخدم معركته الداخلية قبل أي اعتبار آخر.

ولهذا، فإن قراراته كثيرًا ما بدت متناقضة: انسحاب ثم تصعيد، تهديد ثم تفاوض، قطيعة ثم مصافحة. هذا التناقض ليس خللًا في نظره، بل أداة ضغط محسوبة ضمن منطق التاجر الذي يربك خصمه ليحصل على أفضل سعر.

بين الواقعية والانتهازية

هل هذه براغماتية؟ نعم، لكنها براغماتية انتهازية، لا واقعية استراتيجية. فهي لا تبني نظامًا، ولا ترسخ قواعد، بل تُجيد اللعب على الحافة. تنجح أحيانًا في تحقيق مكاسب سريعة، لكنها تترك خلفها فراغًا سياسيًا، وتآكلًا في الثقة، وارتباكًا في صورة الدولة نفسها.

ترامب لا يؤمن بالنظام الدولي بقدر ما يؤمن بقدرته على ليّ ذراعه. ولا يرى في القانون الدولي مرجعية، بل ورقة تفاوض. وهذا ما يجعل براغماتيته مثار جدل دائم: هل هي ذكاء سياسي أم مقامرة مستمرة؟

الخلاصة

يمكن القول إن دونالد ترامب براغماتي في الوسائل، نفعي في القرار، وشعبوي في الخطاب. هو ليس رجل مبادئ ثابتة، ولا صاحب رؤية شاملة، بل لاعب سياسي يُتقن قراءة اللحظة واستثمارها، حتى لو كان الثمن تفكيك ما بُني خلال عقود.

إنها براغماتية لا تبحث عن الحقيقة، بل عن الصفقة… ولا تسأل إلى أين تتجه الدولة، بل: من الرابح اليوم؟
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/15 الساعة 11:03