السياسة كإنتاج: بين الحرية والاستقرار

المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/15 الساعة 01:44
من متابعتي للنشاط السياسي في الأردن، يظهر لي واقع متماسك يجمع بين الانفتاح على التعبير الحر والاستقرار السياسي المؤسسي، وهو واقع يميز التجربة الأردنية عن غيرها. المجتمع الأردني يتمتع بحرية الرأي، والأحزاب والمكونات السياسية قادرة على ممارسة نشاطها ضمن إطار مؤسسي منظَّم يوفر لها فرصًا فعلية للتأثير والمشاركة، بفضل رؤية الدولة السديدة وجهود جلالة الملك عبدالله الثاني في بناء منظومة سياسية حديثة تُؤطر العمل السياسي وتضمن الاستقرار، مع تحويل الطاقات الفكرية إلى مبادرات قابلة للتطبيق، ضمن بيئة تحمي الوطن وتتيح مساحة للتعبير المسؤول. النشاط السياسي هنا ليس مجرد شعارات أو مواقف عرضية، بل هو جزء من منظومة متكاملة تتطلب التخطيط والتطوير المستمر، وتحوّل الطاقات الفردية والجماعية إلى أدوات إنتاجية تخدم الوطن والمجتمع.

رغم هذا الإطار المنظم، تبقى هناك مساحة كبيرة لتعزيز فاعلية النشاط السياسي بشكل أكثر استدامة. يمكن للأحزاب أن تركز على وضع برامج عملية ومبادرات واضحة، ترتبط مباشرة باحتياجات المواطنين اليومية، وتوفر حلولاً واقعية للتحديات المجتمعية. ويجب أن تُفتح مجالات أوسع لمشاركة الشباب والمجتمع المدني، ليس فقط كمتلقين للخطاب السياسي، بل كفاعلين قادرين على تقديم الأفكار والمقترحات وتنفيذ المبادرات على أرض الواقع. كما يمكن تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لتأهيل القيادات الجديدة وتمكينهم من إدارة المشاريع السياسية والاجتماعية بفاعلية، ما يعزز من القدرة على تحويل النقاشات الفكرية إلى نتائج ملموسة.

دعم الدولة للعمل المؤسسي يتيح فرصًا مهمة لاستثمار هذه الطاقات. من خلال وضع قواعد واضحة، وتسهيل الإجراءات، وتوفير الموارد والدعم للأحزاب والمبادرات المدنية، يمكن بناء نشاط سياسي أكثر إنتاجية واستدامة. كما يمكن تطوير منصات تواصل فعالة بين الأحزاب والمواطنين لمتابعة احتياجات المجتمع وتقييم أثر المبادرات بشكل دوري، بما يخلق دورة مستمرة من التعلم والتطوير السياسي. هذه الخطوة لا تعزز فقط فاعلية الأحزاب، بل تضمن أن يصبح النشاط السياسي أداة حقيقية لخدمة المصلحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة.

الحرية السياسية في الأردن ليست مجرد ممارسة شكلية، بل هي ممارسة متجذرة في فهم العلاقة بين المواطن والدولة، وبين الطموحات الفردية والمصلحة العامة. إدارة التعددية السياسية بعقلانية ووعي يضمن بقاء النقاش ضمن حدود منظمة، ويحول الخلافات إلى فرص لتطوير السياسات، بعيدًا عن الفوضى والخطابات الخالية من المضمون. إن تنظيم النشاط السياسي بطريقة منهجية يجعل النقاش أداة فاعلة، ويجعل النقد وسيلة تطوير، لا مجرد صخب رمزي يستهلك الوقت والطاقة دون تحقيق أي أثر.

الأردن يقدم نموذجًا فلسفيًا يمكن البناء عليه لتطوير النشاط السياسي بشكل أكثر إنتاجية. يمكن التفكير في إنشاء برامج دعم متكاملة للأحزاب والمبادرات المدنية، تشمل الإرشاد السياسي، وتطوير مهارات القيادة، وتعزيز القدرة على التخطيط الاستراتيجي. كما يمكن تشجيع الشراكات بين الأحزاب والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتطبيق مشاريع عملية، ما يجعل النشاط السياسي تجربة ملموسة ومرتبطة بالواقع اليومي للمواطنين. كما أن إدماج التكنولوجيا والمنصات الرقمية في العملية السياسية يعزز الشفافية ويتيح التواصل المباشر بين الأطراف المختلفة، ما يضمن أن تصبح السياسة مجالًا مفتوحًا للفكر والعمل والإنتاج، وليس مجرد مساحة للخطابات الرمزية.

من خلال هذه الخطوات، يمكن تحويل النشاط السياسي في الأردن إلى قوة فاعلة تسهم في الاستقرار الوطني وتعزيز المشاركة المدنية، مع الحفاظ على الحرية السياسية كقيمة أساسية، والعمل المؤسسي كإطار يدعم الإنتاجية والفاعلية. هذا النهج يعكس حكمة القيادة الأردنية ورؤيتها الثاقبة، ويؤكد قدرة الأردن على بناء مجتمع سياسي ناضج، قادر على مواجهة التحديات، وتحويل السياسة إلى عامل إنتاج واستقرار.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/15 الساعة 01:44