مأساة الـ 200 عطل: كيف أرسل الاتحاد السوفييتي فلاديمير كوماروف إلى موته في مركبة معيبة؟

مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/14 الساعة 14:49
مدار الساعة -في أبريل عام 1967، تحوّلت مهمة فضائية سوفيتية احتفالية إلى واحدة من أكثر المآسي قسوة في تاريخ استكشاف الفضاء، عندما لقي رائد الفضاء فلاديمير كوماروف مصرعه خلال عودته إلى الأرض، في حادث جعله يُعرف لاحقا بلقب "الرجل الذي سقط من الفضاء".

وجاءت الرحلة في إطار احتفالات الاتحاد السوفييتي بالذكرى الخمسين لتأسيسه، حيث تقرر تنفيذ استعراض تقني طموح في المدار عبر إطلاق مركبتين فضائيتين من طراز "سويوز".

وكان من المقرر أن تنطلق "سويوز 1" وعلى متنها كوماروف أولا، ثم تلتحق بها "سويوز 2"، ليجري التقاء بين المركبتين وسير في الفضاء، قبل عودة الطاقمين إلى الأرض، وفقا لـ iflscience.

غير أن المهمة، التي أُعلن عنها باعتبارها إنجازا سياسيا وعلميا، كانت محفوفة بالمخاطر منذ البداية.

ووفقا لروايات تاريخية وردت في كتاب Starman: The Truth Behind the Legend of Yuri Gagarin، أظهرت عمليات فحص سابقة للمركبة وجود أكثر من 200 خلل تقني وهيكلي، بعضها كان كفيلا بتحويل الرحلة إلى كارثة، ويقال إن مذكرة رسمية رُفعت لتوثيق هذه الأعطال، لكنها لم تصل إلى القيادة السوفييتية العليا.

وبحسب شهادات لاحقة، حاول مقربون من كوماروف إقناعه بالانسحاب من الرحلة، إلا أنه رفض، بعدما أدرك أن انسحابه سيعني إرسال صديقه يوري غاغارين بدلا منه.

وبذلك قبل المهمة وهو يعلم أن احتمال نجاته ضئيل، في قرار يعكس حجم الضغوط السياسية التي كانت تحيط ببرنامج الفضاء السوفييتي آنذاك.

وقبل الرحلة، أقدم كوماروف على ما وصفه البعض بـ"فعل انتقام رمزي"، إذ طلب أن يُقام له تشييع بجثمان مكشوف في حال وقوع أي خلل، في رسالة واضحة إلى المسؤولين عن إرسالِه إلى مصيره.

وبالفعل، بعد نجاح الإطلاق ووصول المركبة إلى المدار، بدأت الأعطال بالظهور سريعا، إذ فشل أحد الألواح الشمسية في الانفتاح، ما تسبب في نقص حاد بالطاقة الكهربائية، وأمرت غرفة التحكم بإنهاء المهمة والعودة الفورية، لكن الكبسولة فقدت السيطرة وبدأت بالدوران، ما حال دون عمل أنظمة الهبوط.

وسقطت مركبة «سويوز 1» سقوطا حرا واصطدمت بالأرض بقوة هائلة، ما أدى إلى وفاة كوماروف على الفور.

وتشير روايات غير رسمية إلى أن كلماته الأخيرة كانت مليئة بالغضب واليأس، بينما قدّمت السجلات السوفيتية الرسمية نسخة مختلفة أكثر هدوءا، في تناقض يعكس طبيعة التعتيم الإعلامي في تلك الحقبة.

ووفقًا لكتاب Starman، التقطت محطات رصد إذاعية أمريكية الكلمات الأخيرة لكوماروف، وهو يقول غاضبا: "هذه سفينة شيطانية! لا شيء مما ألمسه يعمل على نحو صحيح"، إلى جانب صرخات غضب وهو يهوي نحو موته.

أما السجلات الرسمية السوفيتية، التي لا يمكن التعامل معها بوصفها حقيقة مطلقة، فتشير إلى أن كلماته الأخيرة كانت: "أشعر أنني بحالة ممتازة، كل شيء على ما يرام"، قبل أن يضيف: "شكرا على كل ذلك. لقد حدث الانفصال".

وبحسب هذه الرواية، سقط كوماروف إلى حتفه بينما كانت غرفة التحكم الأرضية تحاول إعادة الاتصال به.

وبقيت مأساة فلاديمير كوماروف شاهدا على الثمن الباهظ الذي دفعه رواد الفضاء في خضم السباق المحموم بين القوى العظمى، وعلى المخاطر التي تنشأ حين تتقدّم الاعتبارات السياسية على السلامة البشرية، وبعد مرور عقود، لا تزال قصته تُستحضر كأحد أكثر الفصول إيلاما في تاريخ الرحلات الفضائية.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/14 الساعة 14:49