صراع الهوية: هل 'العلمانية الأوروبية' هي الهدف الحقيقي لحملة ترامب الثقافية عبر الأطلسي؟

مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/14 الساعة 14:47
مدار الساعة -بحسب ما قاله دونالد ترامب وكرره، فإن لندن يحكمها «عمدة فظيع.. شرير.. ومثير للاشمئزاز»، موجهاً كلامه إلى صادق خان. كما وصف القادة الأوروبيين بأنهم «ضعفاء»، ودولهم بأنها «متداعية». وأكد أن الاتحاد الأوروبي تأسس «لإلحاق الضرر» بالولايات المتحدة.

يشير ذلك بوضوح إلى أن ترامب يوجّه الكثير من انتقاداته اللاذعة لحلفاء أمريكا في أوروبا. واستياء الرئيس الأمريكي من أعضاء حلف الناتو، بسبب فشلهم في تحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي للحلف معروف، وأسبابه معلومة. لكن مثل هذا المستوى من العداء ليس كذلك.

ويقول جيريمي شابيرو، مدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والذي أخضع للدراسة مناقشات السياسة الخارجية الأخيرة داخل الحزب الجمهوري: «لقد ظهر هذا الأمر فجأة.. لم يكن هذا جزءاً من النقاش في أوساط أنصار ترامب قبل الولاية الثانية».

ووفقاً للمحللين ومساعدي الرئيس السابقين، يمكن إرجاع جزء من هذا العداء إلى نزاعات قديمة حول التجارة والتكنولوجيا وتنظيم المناخ والإنفاق الدفاعي. وفي هذا السياق، قال مسؤول أمريكي رفيع سابق عمل في إدارة ترامب الثانية: «يُثير الاتحاد الأوروبي غضبه أكثر بكثير من أي شريك تجاري آخر. يجد صعوبة في التعامل معه».

وقد دمج ترامب الاقتصاد مع الدفاع والأمن القومي، ما أدى إلى طمس الحدود بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على رغم من اختلاف الأعضاء. وكتب نائب وزير الخارجية، كريستوفر لاندو، على وسائل التواصل الاجتماعي: «عندما تضع هذه الدول شعار الناتو، فإنها تُصر على أن التعاون عبر الأطلسي، هو حجر الزاوية لأمننا المشترك، لكن عندما تضع هذه الدول شعار الاتحاد الأوروبي، فإنها تسعى وراء أجندات مغايرة، غالباً ما تتعارض تماماً مع مصالح الولايات المتحدة وأمنها».

ودعت استراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي، إلى «تنمية المقاومة» داخل التكتل، وأعطت الأولوية لتعميق العلاقات مع دول وسط وشرق أوروبا الأفضل ذات الميول المحافظة. وقال جاستن لوغان مدير دراسات الدفاع والسياسة الخارجية في معهد كاتو: «إنّ ما لا يعجبهم في أوروبا، هو نفسه ما لا يعجبهم في الولايات المتحدة.. هم لا يرحبون بالهجرة، لأنهم يعتقدون أنها تُغيّر طابع البلاد. كما أنهم لا يرحبون بالإفراط في الإجراءات التنظيمية».

وتحذر الوثيقة، التي نُشرت دون ضجة على الإنترنت الأسبوع الماضي، من أن أوروبا تواجه «اندثاراً حضارياً»، نتيجة للهجرة الجماعية، وانخفاض معدلات المواليد. وتقول الوثيقة: «من المرجح جداً أن تصبح بعض الدول الأعضاء في حلف الناتو ذات أغلبية غير أوروبية، في غضون بضعة عقود، على أقصى تقدير. ولذلك، يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانوا سينظرون إلى مكانتهم في العالم، أو إلى تحالفهم مع الولايات المتحدة، بنفس الطريقة التي نظر بها الموقعون على ميثاق الناتو».

وتمثل هذه الوثيقة تحولاً جذرياً عن عقود من السياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك عن ولاية ترامب الأولى. فقد اتخذت استراتيجيته للأمن القومي لعام 2017، نبرة تقليدية أكثر تجاه أوروبا، وتحدثت عن المصالح والمبادئ المشتركة. ومن الواضح أن ذلك يأتي انعكاساً لأربع سنوات قضاها قادة حركة «ماغا» (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، في بناء الأسس المؤسسية والفكرية للحركة خلال إدارة بايدن. وخلال تلك الفترة، أدرك المفكرون البارزون في الحركة، أنهم بحاجة إلى أكثر من مجرد استعادة زمام الحكم، لتحقيق برنامجهم بالكامل، كما قال شابيرو.

وأوضح قائلاً: «في الفترة الانتقالية، توصلوا إلى قناعة مفادها أن سبب فشل ولاية ترامب الأولى، هو عدم إدراكها أن القوة الليبرالية لا تنبع فقط من تولي الرئاسة والكونغرس، بل من مؤسسات السلطة الأوسع نطاقاً داخل المجتمع».

لذلك، تميزت ولاية ترامب الثانية بحملة شرسة ضد ما تعتبر معاقل النخبة الليبرالية: مكاتب المحاماة، والجامعات، ووسائل الإعلام، وما يُسمى بـ «الدولة العميقة» من موظفي الحكومة. وقال شابيرو: «إنهم ينظرون إلى أوروبا باعتبارها إحدى معاقل الليبرالية. لذلك، ما يفعلونه هو توسيع نطاق الحرب الثقافية لتشمل أوروبا».

وقال ستيف بانون كبير الاستراتيجيين السابق لترامب، وأحد أبرز مهندسي حركة «ماغا»، إن جهود الدول الأوروبية لكبح جماح اليمين المتطرف في بلدانها، اعتُبرت استخفافاً بأنصار «ماغا». وأضاف: «أوروبا هي أكثر ما يكرهونه».

وكان نائب الرئيس، جيه دي فانس، من أوائل من تنبؤوا بإحباط إدارة «ماغا» من أوروبا، فبعد أسابيع من تولي ترامب ولايته الثانية، ألقى فانس خطاباً حاداً للغاية أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو ما انعكس لاحقاً في استراتيجية الأمن القومي. وفي تصريحاته التي أذهلت المسؤولين الأوروبيين، اتهمهم بممارسة الرقابة، وحذر من أن «التهديد الداخلي» في أوروبا، يفوق التهديد الذي تشكله الصين أو روسيا.

كذلك، فقد دافع كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، بشدة، عن حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، مصورين تحقيقات برلين مع الحزب، على أنها هجوم على حرية التعبير. وفي مايو، وصف ماركو روبيو قرار جهاز المخابرات الداخلية الألماني، بتصنيف الحزب منظمة متطرفة، بأنه «استبداد مقنّع».

وبينما أقام ترامب علاقات جيدة مع العديد من القادة الأوروبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، فإنه واصل انتقاده للمشروع الأوروبي الأوسع نطاقاً.

ومن غير المرجح أن يشعر الرئيس الأمريكي بأي قيود يمكن أن تفرضها رؤية العالم التي طرحتها استراتيجية الأمن القومي الجديدة «فهذه في النهاية ليست الماجنا كارتا (أو الميثاق الأعظم) الخاصة بالترامبية»، حسبما يشير كورت ميلز المدير التنفيذي لمجلة «ذا أميركان كونسيرفاتيف».
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/14 الساعة 14:47