باسم 'القهار': قاعدة العدالة الكونية التي تمنع المعتدي من التسلط على غير المستحق

مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/11 الساعة 14:57
مدار الساعة -القهار اسم من أسماء الله الحسنى، وهو كذلك خيراته كخيرات سائر أسماء الله الحسنى، فهو كمال في كمال، فالله تعالى مسيطر بتسييره فوق جميع عباده وحكمه في البرية سارٍ، فلا يتسلط الغاشم المعتدي إلا امرئ مستحقّ صدر عنه اعتداء وخرج منه التعدي.

أما المستقيم الطاهر فلا سلطان لمخلوق عليه ولا يسلب مال إنسان إذا كان ماله مزكّى، ولا يحرق ولا يغرق، فالذي استحكمت الشهوة بقلبه وسدت عليه منافذ النور يطلقه الله لما يريد بناء على حرية الاختيار التي أعطاه إياها، ولكن حكم العدالة في البرية ساري فلا تظنن أن الذي اعتلجت في نفسه جريمة القتل أو السرقة أو الزنى والتعدي يستطيع أن يسرق أو يعتدي على أي إنسان أراد، فالله سبحانه القهار فوق عباده لا يمكّنه أن ينفذ ما يريد إلا على معتد مثله، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة الأنعام: الآية (129).

حتّى أنّ الزاني لا يقع عمله وعدوانه ولا ينفذ شهوته إلا على امرأة فاجرة خبثت نفسها وتطلبت هي أيضاً الفاحشة {الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} سورة النور: الآية (3).

وهكذا فهذه الذات العليّة قائمة على الكون ومهيمنة عليه ويده تعالى القهار فوق عباده يسيّر الكون كلّه ضمن العدالة والرحمة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة وتسييره كله ضمن الخير ولا يظلم ربك أحداً.

فالطاهرة الشريفة لا يستطيع الإنس والجن ولو اجتمعوا أنّ يمسّوها أو يلمسوها بفاحشة، فالله القهار يبعث لهم ما يحولهم ويشغلهم ويقهرهم دونها، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى إن كلّ من تنكّب سبيل الهدى وابتعد بهوى نفسه عن طريق الحق والرشاد، فرحمة الله به تقتضي أن ينذره ليعود به إلى سبل الرشاد لينال سعادة الدنيا والآخرة، بدل الخسارة الأبدية التي تفوق كلّ خسارة، فمن رحمة الله به وحكمته أن يبعث له الشدائد والمصائب علّه يرجع عن غيه ويؤوب إلى رشده وإلى الصراط المستقيم، وهو كذلك والشدائد تنزل بساحته والمصائب تحيط به لا حيلة له ولا مقدرة على ردّها، والناس جميعاً تعجز عن ردّ الزلازل التي تصيب أرضهم أو البراكين بحممها الهائلة، وكذا الأعاصير والعواصف والحرائق الكبرى التي تذهب بالمدن والقرى بأسرها، وكذا أمراض الأنعام والطيور التي تبيد الثروات الحيوانية وتضعف الاقتصاد، والحضارات والعلم البشري يعجز عن ردّ جائحات الأمراض المستعصية المتفشية بالبلاد ويبقون مقهورين مكسورين حيال كل ذلك حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

الله ينزل بالمعرضين أنواع الشدائد والبلاءات وهم لا يقدرون على ردّها.

فالله ينزل بالمعرضين أنواع الشدائد مهما بلغت قوتهم وحضارتهم وهم أرادوا الابتعاد عن منهل السعادة والجنات وأرادوا الدنيا المنقضية وشهواتها الرخيصة المنقضية والتي تعود على أنفسهم بالشقاء والآلام والخسارة فمن رحمة الله وحنانه أن يبعث لهم هذه الشدائد ليشدهم إلى سعادتهم، حينما تصبح فيهم القابلية إلى الخير فلا يجبر أحداً ولا إكراه في الدين.

فهذه الشدائد كلها بالحقيقة خير بخير ولا تخرج عن الكمال والرحمة والحنان لأنها تشدهم إلى السعادة وإلى سبيل الهدى والرشاد، ولولاها ما دخل أحد الجنة، فالله يقهرهم بها بحسب الاستحقاق، ولكن بالنتيجة ليوردهم موارد النجاة فالجنات.

ولوضوح معنى اسم (القهّار): لك في فرعون وآله خير مثال، ففرعون ملك عالمي هدّد السحرة الذين آمنوا مع سيدنا موسى ليذبحنّهم وليصلبنّهم في جذوع النخل وليقطعنّ أيديهم وأرجلهم من خلاف، وكذلك بني إسرائيل، ومضت عشرات السنين ولم يستطع أن ينفذ شيئاً مما أراد وتوعد به؛ لأنّ الله كلما أرادوا أن ينفذوا الشرّ دون حقّ كان يقهرهم بالطوفان والقحط والقمل والجراد والضفادع والدم وغيرها من شتى البلاءات، فيعودون مقهورين مكسورين عن شرورهم ويطلبون من سيدنا موسى إنقاذهم: {قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} سورة الأعراف: الآية (134).

وحينما قال فرعون: ذروني أقتلْ موسى الذي لا استحقاق عليه قتل نفسه بالطوفان وجنوده، وعادت عليه نواياه بالسوء والدمار لبلاده: {..وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} سورة الأعراف: الآية (137).

فغرق فرعون وجنوده في اليمّ وبلادهم دُمرت بالزلازل وأنجى الله سيدنا موسى ومن معه.

وهكذا اسم الله القهار مهيمن في كلّ وقت وهو ضمن الرحمة والحكمة الإلۤهية، ففي كل حادثة يكون الله قاهراً فوق المعرضين المعتدين ومع التكرار في كل وقت وملازمة هذا الاسم لهم يكون تعالى قهاراً، فالله يتجلى على المعرضين الطغاة باسم القهار، والقهر هنا منع التسلط بالظلم على غير المستحق، وعليها ينطبق الحديث القدسي الشريف: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

إذن؛ فالقهر الإلۤهي هو الحيلولة دون شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ودون إكراه المقهور ولكن يحوِّله عن غير المستحقّ قهراً ولو صمّم؛ إلى المستحقّ وبذا لا يتدخل في حرية اختياره.

وينطبق اسم القهار على كلّ من يخرج عن حدود الرحمة والإنسانية، ليرده إلى سبل السعادة والهناء والإكرام والعودة به إلى الإنعام، ويتولاه عندها بالرحمة إن تاب بعد فشله وغيَّر وإذا أفرغ شرّه على مستحق لعل الآخر يغيّر.

فباسم الرحمن يعود على المعرضين بالشدة والبلاء، ويقهرهم باسم القهار فإن أقلعوا عن طغيانهم ورجعوا إلى الحق عاد عليهم بالإكرام والإنعام باسم الرحيم.

فالله يتجلّى على المعرضين الطغاة باسم القهار، بما يصيبهم من شدائد ومصائب ليردهم عن غيهم ويعود بهم إلى إنسانيتهم، والجنة للإنسان ولكيلا يحرمهم من الجنات ولكيلا يوردوا أنفسهم موارد النيران.

فالقهار إذن من الأسماء الحسنى ولا يخرج عن بمعناه الكمال.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/11 الساعة 14:57