الزيارة الملكية إلى مستشفيات البشير: رسالة لتطوير القطاع الصحي

د. محمد رسول الطراونة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/09 الساعة 09:32
شكلت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الأخيرة إلى مستشفيات البشير - مركز سميح دروزة للأورام، حدثاً استثنائياً يحمل دلالات عميقة تتجاوز الجانب الرمزي لتلامس صميم الأولويات الوطنية، جاءت هذه الزيارة في ظل تحولات كبرى يشهدها القطاع الصحي الأردني، حيث يجري العمل على إعادة هندسة نظام الرعاية الصحية ليكون أكثر كفاءة واستدامة وعدالة. الزيارة لم تكن عابرة، بل كانت جولة ميدانية تفقدية غطت أقساماً حيوية في المركز، والتقى خلالها جلالته بالكوادر الطبية والتمريضية والإدارية، واستمع لشرح مفصل عن سير العمل والتحديات، وتأتي هذه الزيارة لتؤكد أن صحة المواطن ليست مجرد ملف ضمن ملفات الحكومة، بل هي قضية وطنية عليا، تجسد العقد الاجتماعي بين القيادة والمواطن.

أما اختيار مركز سميح دروزة للأورام تحديداً يحمل رسالة تضامنية واضحة مع مرضى السرطان الذين يمثلون شريحة تحتاج إلى رعاية صحية وإنسانية استثنائية، حيث يعد هذا المركز في مستشفىيات البشير نموذجاً للتميز في تقديم الرعاية الطبية المتخصصة، حيث يقدم: خدمات تشخيصية وعلاجية متكاملة لأمراض الأورام، رعاية متعددة التخصصات تشمل الأطباء الاستشاريين في مختلف التخصصات وتقديم دعم نفسي واجتماعي للمرضى وعائلاتهم وبرامج للكشف المبكر والتوعية الصحية المجتمعية

من خلال لقاء جلالته مع الكوادر الصحية، تم الاعتراف بالجهود الجبارة التي يبذلها العاملون في القطاع الصحي رغم كل التحديات، في الوقت نفسه، كانت الزيارة فرصة للوقوف على التحديات الحقيقية التي تواجه تقديم الخدمات الصحية، من خلال رؤية ميدانية غير مسبوقة، حيث تظهر مثل هذه الزيارات الميدانية للقيادة اهتمامها الشخصي المباشر بجودة الخدمات الصحية، مما يعزز ثقة المواطن بالنظام الصحي، ويرسل رسالة طمأنينة بأن تطوير القطاع الصحي ليس شعاراً سياسياً، بل التزاماً قيادياً.

وقد تمحورت التوجيهات الملكية الصادرة خلال الزيارة حول محاور رئيسية تشكل إطاراً شاملاً للإصلاح شملت تحسين جودة الخدمات وبيئة العمل من خلال التأكيد على ضرورة توفير أحدث الأجهزة الطبية والتقنيات التشخيصية والعلاجية،الاهتمام بالظروف المهنية للكوادر الصحية من ناحية التجهيزات والأجواء المناسبة. تعزيز ثقافة الجودة من خلال التركيز على تطبيق معايير الاعتماد الدولية لضمان جودة وسلامة الخدمات المقدمة، تمكين الكوادر الصحية ودعمها من خلال الاستثمار في العنصر البشري و اعتبار الكوادر الصحية الثروة الحقيقية للنظام الصحي، مما يتطلب تحسين الأوضاع المعيشية للكوادر الصحية من خلال العمل على تطوير الحزم التحفيزية والمكافآت المادية والمعنوية و توفير فرص التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات مع المراكز العالمية.

بالتأكيد سيكون هناك تأثير واضح للتوجيهات الملكية على مستقبل القطاع الصحي والتي ستساهم في تسريع وتيرة الإصلاح الهيكلي حيث ستدفع التوجيهات الملكية نحو تسريع تطبيق نماذج الحوكمة الحديثة، مثل فصل دور الممول عن مقدم الخدمة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وستشكل التوجيهات الملكية إطاراً واضحاً لتوجيه الاستثمارات نحو الأولويات الصحية الحقيقية، وجذب القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع صحية تخدم الرؤية الوطنية وستفتح التوجيهات الملكية الباب أمام تعاون أوسع مع المنظمات والمراكز الاقليمية والعالمية المتخصصة، وتبادل الخبرات مع النماذج الناجحة في الدول الشقيقة والصديقة.

خلاصة الكلام، زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مستشفيات البشير - مركز سميح دروزة للأورام، لم تكن حدثاً عابراً في السجلات الرسمية، بل كانت رسالة ملكية واضحة المعالم: الصحة أولوية، والمواطن أغلى ما نملك. التوجيهات الملكية التي صدرت خلال الزيارة تشكل خارطة طريق واضحة لإصلاح شامل للقطاع الصحي، تقوم على مبادئ الجودة والعدالة والاستدامة. النظام الصحي الذي يتطلع إليه الأردن، بقيادة جلالة الملك، هو نظام يضع الإنسان في القلب، ويعمل على تحقيق التغطية الصحية الشاملة، ويستثمر في الوقاية بقدر ما يستثمر في العلاج، ويعتمد على الكفاءة والشفافية في إدارة الموارد. اما الرحلة نحو نظام صحي أفضل قد تكون طويلة، ولكن الزيارة الملكية والتوجيهات الحكيمة التي صاحبتها تضيء الطريق، وتؤكد أن الإرادة السياسية موجودة، وأن العزيمة قوية، وأن المستقبل الصحي للأردن وأبنائه سيكون بإذن الله أفضل مما هو عليه اليوم.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/09 الساعة 09:32