الضمور يكتب: حين نبلغ الستين… يعود السؤال طفلًا في داخلنا
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/08 الساعة 20:47
في سنّ الستين، لا يكبر العمر وحده… بل تكبر معه دهشة السؤال. فجأة نجد أنفسنا نبحث، نستوضح، نتريّث، كأننا وُلدنا من جديد أمام عالمٍ كنا نظن أننا فهمناه واكتفينا منه. لم نكن في شبابنا نتساءل كثيرًا، ليس لأننا لا نُبالي، بل لأن المعلومة كانت حاضرة في صدورنا، تشقّ طريقها بثقة، ولا تحتاج إلى سؤالٍ أو توضيحٍ إلا في النادر.
وكان الناس يقولون: "فلان ما يسأل عن شيء" مدحًا لا ذمًّا، دلالة على فطنةٍ وخبرةٍ ومعرفةٍ متراكمة لا تحتاج إلى كثير من الأسئلة. كنا نعيش القيم والأعراف من أهلنا وبيوتنا، نراها ممارسةً قبل أن نسمعها نصًا.
بل إننا لم نكن نسأل حتى: "هذا حلال أم حرام؟"
ليس جهلًا، بل لأن الحياة حولنا كانت تجيب بالنيابة عنا. كنا نرى الحلال في وجوه أهلنا وسلوكهم، ونرى الحرام منبوذًا بطبيعة التربية، لا يحتاج إلى فتوى ولا بحث.
أمّا اليوم، فقد تغيّرت الدنيا وتاهت الإجابات بين كثرة المصادر وتضارب الأقوال، وعاد السؤال ضرورةً لا ترفًا. صرنا نسأل خوفًا من الوقوع في المَحظور، لا تردّدًا ولا ضعفًا، بل لأن العالم صار أكثر تعقيدًا، ولأن القيم لم تعد تُعاش كما كانت، بل تُناقَش وتُجادَل وتُؤوَّل.
ولذلك أصبح السؤال في هذا العمر نوعًا من الحكمة، ونوعًا من الشجاعة أيضًا. الشجاعة في أن نقول: لا أعرف… فدلّوني. في أن نكسر كبرياء الجيل الذي ظنّ أن المعرفة تأتي بالغريزة وحدها، وأن الخبرة وحدها تكفي.
في الستين يعود السؤال طفلًا في داخلنا، لكن طفلًا ناضجًا…
يسأل ليزداد يقينًا، لا ليبرّر جهلًا.
يسأل ليطمئن قلبه، لا ليملأ فراغًا.
يسأل لأن نور البصيرة اليوم أهم من كل خبرات الأمس.
وفي النهاية، لسنا نبدأ من جديد…
بل نبدأ بوعيٍ أعمق، وعقلٍ أكثر تواضعًا، وروحٍ تبحث عن الحقّ خشيةً من الانزلاق في باطلٍ لم نعهده يومًا.
هذا هو جمال الستين…
سنّ التعقّل لا التعقيد،
وسنّ السؤال الذي يعيد ترتيب الطريق أمامنا، بصدقٍ وطمأنينةٍ ونضج.
وكان الناس يقولون: "فلان ما يسأل عن شيء" مدحًا لا ذمًّا، دلالة على فطنةٍ وخبرةٍ ومعرفةٍ متراكمة لا تحتاج إلى كثير من الأسئلة. كنا نعيش القيم والأعراف من أهلنا وبيوتنا، نراها ممارسةً قبل أن نسمعها نصًا.
بل إننا لم نكن نسأل حتى: "هذا حلال أم حرام؟"
ليس جهلًا، بل لأن الحياة حولنا كانت تجيب بالنيابة عنا. كنا نرى الحلال في وجوه أهلنا وسلوكهم، ونرى الحرام منبوذًا بطبيعة التربية، لا يحتاج إلى فتوى ولا بحث.
أمّا اليوم، فقد تغيّرت الدنيا وتاهت الإجابات بين كثرة المصادر وتضارب الأقوال، وعاد السؤال ضرورةً لا ترفًا. صرنا نسأل خوفًا من الوقوع في المَحظور، لا تردّدًا ولا ضعفًا، بل لأن العالم صار أكثر تعقيدًا، ولأن القيم لم تعد تُعاش كما كانت، بل تُناقَش وتُجادَل وتُؤوَّل.
ولذلك أصبح السؤال في هذا العمر نوعًا من الحكمة، ونوعًا من الشجاعة أيضًا. الشجاعة في أن نقول: لا أعرف… فدلّوني. في أن نكسر كبرياء الجيل الذي ظنّ أن المعرفة تأتي بالغريزة وحدها، وأن الخبرة وحدها تكفي.
في الستين يعود السؤال طفلًا في داخلنا، لكن طفلًا ناضجًا…
يسأل ليزداد يقينًا، لا ليبرّر جهلًا.
يسأل ليطمئن قلبه، لا ليملأ فراغًا.
يسأل لأن نور البصيرة اليوم أهم من كل خبرات الأمس.
وفي النهاية، لسنا نبدأ من جديد…
بل نبدأ بوعيٍ أعمق، وعقلٍ أكثر تواضعًا، وروحٍ تبحث عن الحقّ خشيةً من الانزلاق في باطلٍ لم نعهده يومًا.
هذا هو جمال الستين…
سنّ التعقّل لا التعقيد،
وسنّ السؤال الذي يعيد ترتيب الطريق أمامنا، بصدقٍ وطمأنينةٍ ونضج.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/08 الساعة 20:47