أبو زيد يكتب: الاقتصاد العربي بين حقيقة الاختلاط وضرورة الوحدة.. طريقٌ نحو أمنٍ شامل

زيد أبو زيد
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/04 الساعة 16:57
واهمٌ من يظنّ أن الأمن الوطني وُلد من فراغ، أو أنّ الأمن الاجتماعي يمكن أن يُزهر فوق أرض لا تستند إلى اقتصاد قوي، أو ديمقراطية متطورة، أو إدارة حكومية تُحسن الفعل قبل القول. فالأمن بمفهومه الحديث منظومة ثلاثية الأضلاع: سياسي واقتصادي واجتماعي، لا ينهض ضلع منها دون الآخر، ولا تستقيم إلا في ظل وحدة وطنية متماسكة، ومؤسسات قادرة، ونهج إصلاحي يضع الإنسان حجر الأساس.

لقد تغيّر العالم وتحوّل معه الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد مختلط؛ يجمع من الرأسمالية ديناميكية السوق، ومن الاشتراكية عدالة توزيع الفرص. فالدول الكبرى نفسها تمارس “اشتراكية ذكية” في الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي، وتمارس “رأسمالية منضبطة” في الإنتاج والمنافسة. وهذه الحقيقة تجعل التمسك بنموذج اقتصادي واحد ضرباً من الجمود، وتفتح الباب أمام الدول العربية لاعتماد نموذج مرن وقومي قادر على مواجهة المتغيرات.

وفي العالم العربي، تبدو الحاجة إلى بناء اقتصاد قومي مشترك أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فالأزمات في الإقليم — من الحرب الطاحنة في غزة والضفة الغربية، إلى التوترات في لبنان، إلى آثار الحرب السورية — لم تكن سياسية فحسب، بل اقتصادية بالدرجة الأولى؛ إذ أغلقت طرق التجارة، وخنقت الحركة البينية، ورفعت كلف النقل والطاقة، وأثقلت كاهل الأردن والدول المجاورة، وزادت من هشاشة الاقتصاد العربي.

لقد أثقلت أزمة اللجوء السوري الاقتصاد الأردني والبنية التحتية، لكن التحوّلات السياسية الجارية في سوريا، وملامح انتقالها نحو نظام جديد، قد تفتح الباب تدريجياً أمام حلول اقتصادية إقليمية، واستعادة التجارة، وعودة جزء من العمالة، وهي عوامل قادرة على تخفيف العبء عن الأردن وعن الدول المجاورة.

ومع ذلك، فإن خارطة الطريق العربية المستقبلية يجب ألا تُبنى على انتظار المتغيرات، بل على صُنعها. فالمستقبل العربي يحمل فرصاً ضخمة في الطاقة والطاقة المتجددة، والزراعة، والتكنولوجيا، والنقل، والسوق المشتركة. شرط أن يتمكن النظام الرسمي العربي من وضع رؤية استشرافية موحّدة، تعمل وفق مبدأ “توحيد الجهود قبل توحيد الشعارات”.

ولا بد من الاعتراف أن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن العربي لم يعد ترفاً سياسياً ولا مطلباً عادياً، بل أساس لاستقرار المجتمعات، لأن التضخم والبطالة والفقر ليست أرقاماً مالية، بل شرارات إن بقيت دون علاج قد تُربك أي دولة مهما كانت قوتها. فاستقرار المجتمع هو السياج الأول للأمن الوطني.

أما الأردن، فهو يقدم نموذجاً مميزاً في صلابة الجبهة الداخلية؛ فالشعب ملتف حول قيادته، وواعٍ لمعادلات الإقليم وتقلباته. وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يقوم بجولات سياسية واسعة، ينقل فيها صوت الأردن وصوت العرب إلى العالم، مدافعاً عن القضايا القومية، وخصوصاً القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية، ومؤكداً أن الأردن ثابت في موقفه لا يتغير بتغير الظروف.

وفي الوقت ذاته، يحمل الملك رسالة واضحة للعالم مفادها أن الأردن بيئة آمنة للاستثمار، وأن الاستقرار السياسي يولّد بيئة اقتصادية جاذبة، وأن الإصلاحات لا تُبنى بالشعارات بل بالعمل. وهذا ما يؤكده التعافي الاقتصادي المتدرّج الذي بدأ المواطن يلمس آثاره، وسيشعر بثماره أكثر مع استكمال الخطط الإصلاحية.

إن المستقبل العربي لن يُكتب في عزلة، ولا بالتردد، بل بالشراكات الاقتصادية، واحترام الإنسان، وتعزيز التكامل القومي. وإذا كانت الطريق طويلة، فإن الحكمة تقول: “خيرُ السير ما وُضعَ فيه قدمٌ فوق قدم، وخيرُ الأمم تلك التي تبني مستقبلها بيدها.”
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/04 الساعة 16:57