اليماني تكتب: لماذا يتذكّر الأردنيون اليوم وصفي التل؟

د. مريم علي اليماني
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/02 الساعة 13:17
في كل عام، ومع اقتراب ذكرى استشهاد وصفي التل، يتجدّد في الوجدان الأردني ذلك الحنين الجارف لرجلٍ لم يكن مجرد رئيس وزراء، بل رمزًا لقيم ومعادن نادرة نفتقد الكثير منها في زمننا الحاضر. والسؤال الذي يطرحه الناس اليوم بمرارة وصدق هو: لماذا نتذكّر وصفي أكثر كلما ابتعد الزمن؟

1. لأن وصفي التل كان مشروع دولة لا منصبًا

وصفي لم يكن مسؤولًا يدير مرحلة، بل كان يحمل رؤية طويلة المدى لبناء دولة قوية، مكتفية، منتجة، لا تعتمد على التسكين ولا الاسترضاء. كان يحلم بأردن ينهض من عرق أبنائه، لا من مساعدات الآخرين. واليوم، أمام تحديات البطالة والديون وضغوط الحياة، يتذكّر الأردنيون هذا الصوت القوي الذي كان يقول دائمًا:

"إمّا أن نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع… أو نبقى ضعفاء."

2. لأنه بقي نظيف اليد والقلب

في وقت تتزاحم فيه قصص الفساد وتضيع الثقة بين المواطن والمسؤول، يستعيد الناس سيرة رجل عاش بسيطًا، صادقًا، نزيهًا… ومات كذلك. كان يدخل المنصب كما يخرج منه، لا حسابات خارجية ولا مصالح شخصية ولا شبكات نفوذ. النزاهة عند وصفي كانت مبدأ لا شعارًا.

3. لأنه كان قريبًا من الناس

رغم أنه رجل دولة، كان وصفي يذهب للمزارع، ويدخل بيوت الفقراء، ويجلس مع الجنود، ويعرف تفاصيل حياة الأردنيين اليومية. ولهذا بقي حاضرًا في الذاكرة الشعبية، لا السياسية فقط. حين يشعر الناس بأن المسؤولين بعيدون عنهم، يعودون إلى ذكرى من كان بينهم وفي صفّهم.

4. لأنه اختار طريق التضحية لا السلامة الشخصية

كان بإمكانه أن يساوم، أو يتراجع، أو يختار طريقًا أسهل… لكنه آمن بدوره وبمصير وطنه حتى النهاية. محطته الأخيرة لم تكن خروجًا من السياسة، بل دخولًا في التاريخ. والشعوب بطبيعتها تميل إلى تقدير أولئك الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لمواقفهم.

5. لأن رمزيته تتجدّد كلما تعثّر الواقع

حين تضيق الخيارات أمام الشباب، وحين يتراجع الأداء الاقتصادي، وحين يشعر الناس بأن السياسات لا تخدمهم كما يجب، يزداد استحضار شخصية مثل وصفي التل. إنه ليس مجرد ذكرى؛ بل معيار يُقاس به الحاضر.

كأن الأردنيين يقولون في كل مناسبة:

“نشتاق لزمن كانت فيه الدولة تُبنى، لا تُدار فقط.”

6. لأن وصفي يمثل هوية وطنية جامعة

رجلٌ التقت عليه القبائل، والقرى، والمدن، والعشائر، والطبقات. لم يكن مثيرًا للانقسام، بل موحِّدًا بطبيعته. وفي زمن تتكاثر فيه الضغوط والانقسامات، يجد الأردنيون في وصفي صورة الوطن الذي يريدونه: قويًا، نظيفًا، عادلًا، واثقًا بنفسه.

في النهاية

يتذكّر الأردنيون وصفي التل اليوم لأنهم يبحثون عن معنى الدولة التي كان يحلم بها، ولأنهم يرون في سيرته ما يريدون أن يكون حاضرًا في واقعهم: النزاهة، القرب من الناس، القرار الوطني المستقل، والقيادة التي تُضحي ولا تُضحّي بهم.

وصفي ليس مجرد ذكرى…

إنه مرآة يرى الأردنيون فيها ما يفقدونه وما يتمنّون عودته.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/12/02 الساعة 13:17