البستنجي يكتب: المعلّم كمرشد وقائد مجتمعي.. بوابة المدرسة نحو صناعة الأثر

إياد يوسف البستنجي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/30 الساعة 21:06
سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الخامسة :

الابتكار التربوي واستراتيجيات القيادة الصفّية في القرن 21،

نحو عام دراسي متجدد يقوم على التعلم الفعّال والبيئات الرقمية الآمنة.

المقال الرابع :

المعلّم كمرشد وقائد مجتمعي: بوابة المدرسة نحو صناعة الأثر.

نحو عام دراسي متجدد يقوم على التعلّم الفعّال والبيئات الرقمية الآمنة

لم يعد دور المعلّم في القرن الحادي والعشرين محصورًا في إدارة الصف أو شرح الدروس، ولم تعد المدرسة مكانًا للتلقّي وحده. فالتعليم اليوم يتسع ليشمل الحياة كلها، ويتجاوز حدود الجدران ليصل إلى قلب المجتمع وهمومه وقضاياه.

وأمام هذا التحوّل، يبرز المعلّم القائد المجتمعي بوصفه محورًا أساسيًا في تنمية الوعي، وصناعة المبادرة، وتحويل السلوكيات إلى قيم فاعلة في الواقع.

تشير دراسة Journal of Educational Leadership (2022) إلى أن مشاركة الطلاب في مبادرات مجتمعية ترفع مهارات القيادة والتعاون بنسبة 30%، وتزيد دافعيتهم للتعلم بشكل ملحوظ. وهذا يؤكد أنّ دور المعلّم لم يعد درسًا يُقدَّم، بل أثرًا يُصنَع.

أولًا: مفهوم المعلّم القائد المجتمعي

المعلم القائد المجتمعي هو ذلك النموذج التربوي الذي يمزج بين:

التعليم

القيم والأخلاق

المسؤولية المجتمعية

ليحوّل المدرسة من مؤسسة تعليمية إلى فضاء حيّ للحياة والتفاعل والنمو.

وهو المعلّم الذي:

يربط محتوى الدروس بقضايا البيئة والمجتمع المحلي.

يقود مبادرات تحلّ مشكلات واقعية.

يعزز قدرة الطلاب على اتخاذ القرار السليم.

يزرع قيم المواطنة والمبادرة والعمل التطوّعي.

يحوّل الطالب من متلقٍّ إلى مشارك ومبادر وقائد صغير.

الهدف النهائي لهذا الدور

إعداد طلاب قادرين على:

تحليل قضايا المجتمع

التفكير النقدي

العمل التعاوني

قيادة المبادرات

التأثير الإيجابي في محيطهم

مثال تطبيقي: حملة (حيٌّ نظيف)

مبادرة يقودها الطلاب وتشمل:

تحليل أسباب تكدّس النفايات

إعداد تقرير مصوّر يعتمد على بيانات حقيقية

تصميم حملة توعوية باستخدام Canva

تنفيذ يوم تنظيف فعلي مع البلدية

تقييم الأثر بعد أسبوعين ومناقشة النتائج

ثانيًا: استراتيجيات المعلّم القائد المجتمعي

1. قيادة مبادرات مدرسية ومجتمعية

مثل:

حملات بيئية وصحية

مشاريع خدمة المجتمع

مسابقات الابتكار المجتمعي

فعاليات يوم التطوّع

دعم كبار السن والأطفال

مثال مطوّر: مبادرة (مدرستي خضراء)

زراعة 50 شجرة بالتعاون مع البلدية

تدريب الطلاب على الريّ بالتنقيط

قياس النمو شهريًا وتوثيقه بالصور والبيانات

مشاركة النتائج مع المجتمع المحلي عبر Google Sites

2. التوجيه الأخلاقي والمهني للطلاب

يشمل:

مساعدتهم في اتخاذ قرارات حياتية وأخلاقية واعية

اكتشاف ميولهم المهنية

تدريبهم على كتابة السيرة الذاتية

تعزيز مهارات المقابلة الشخصية

دعمهم في حل النزاعات وبناء العلاقات الإيجابية

مثال: جلسة (اختر تخصصك وفق شخصيتك)

جلسة يقوم فيها المعلّم بتطبيق اختبارات بسيطة تساعد الطالب على اكتشاف ميوله المهنية.

3. دمج المجتمع في الدروس الصفية.

تحويل المحتوى الدراسي إلى مشاريع تخدم المجتمع:

درس الطاقة => مشروع ترشيد الكهرباء في البيوت

درس الصحة => حملة للوقاية من السمنة

التربية الوطنية => مقابلات مع شخصيات محلية

بهذه الطريقة يدخل المجتمع إلى الصف، ويخرج الطالب إلى المجتمع.

4. بناء علاقات تواصل فعّالة

من خلال:

لقاءات منتظمة مع أولياء الأمور

شراكات مع البلدية والجمعيات والمراكز الثقافية

تعاون مهني مع المعلمين

استضافة متخصصين لإثراء التعلم

5. توظيف الأدوات الرقمية لخدمة الدور المجتمعي.

لم تعد الأدوات الرقمية مجرد وسائل للشرح أو عرض المحتوى، بل أصبحت منصات فعّالة للقيادة والتوثيق والتواصل، تُسهم في تعزيز الدور المجتمعي للمعلّم والطلبة. فمن خلال Google Classroom يمكن إدارة المشاريع الطلابية باحترافية، وتوزيع المهام، ومتابعة تقدّم العمل أولًا بأول، مما يخلق نظامًا رقميًا واضحًا يدعم العمل الجماعي. أما Canva فتُستخدم كأداة إبداعية لتصميم الملصقات والتقارير التوعوية التي تدعم المبادرات المجتمعية وتوصل رسالتها بشكل بصري جذّاب.

وفي جانب التوثيق، يتيح Padlet مساحة رقمية حيّة تجمع الصور والفيديوهات وتعرض مراحل المبادرات خطوة بخطوة، مما يجعل المتعلم جزءًا من رحلة العمل وليس مجرد متلقٍّ للنتائج. ويساعد Google Forms في بناء استبانات دقيقة لتحليل احتياجات المجتمع وجمع بيانات واقعية تُسهم في توجيه القرارات. أما Google Sites فيقدّم منصة مرنة لإنشاء مواقع إلكترونية خاصة بالمبادرات الطلابية، تُعرض فيها التقارير والنتائج والمواد التوعوية بصورة احترافية.

وبهذا التكامل تتحول الأدوات الرقمية إلى جسر حيّ يصل المدرسة بالمجتمع، ويجعل التعلم عملية تفاعلية تمتد خارج حدود الصف وتترك أثرًا حقيقيًا في الواقع.

ثالثًا: أثر المعلّم القائد المجتمعي على الطلاب

1. تعزيز الوعي القيمي والمسؤولية الاجتماعية

يصبح الطالب مواطنًا فاعلًا يشعر أن مشاكل مجتمعه جزء من مسؤوليته.

2. تنمية مهارات القيادة والعمل التعاوني

من خلال:

اتخاذ القرار

إدارة الوقت

الحوار البنّاء

العمل بروح الفريق

عرض الأفكار بوضوح

3. رفع الدافعية تجاه التعلم

كلما لمس الطالب أثر تعلمه في الواقع زادت رغبته في التعلم.

4. بناء جيل مؤثر

يتحوّل الطالب من "متعلم" إلى "قائد صغير" قادر على التغيير.

رابعًا: أدوار المعلّم في تنمية القيادة المجتمعية

1. مرشد وموجّه

يقود الطلاب لربط القيم بالسلوكيات الواقعية.

2. قائد مبتكر

يصمّم مبادرات تناسب احتياجات المجتمع المحلي.

3. قدوة تربوية

يكون نموذجًا في الالتزام الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية.

4. مقيّم بنّاء

يقدّم تغذية راجعة دقيقة للطلاب.

مثال: تقييم قائد مجموعة

يشمل:

إدارة الفريق

التواصل الفعّال

توزيع المهام

متابعة التنفيذ

خامسًا: خارطة طريق لبناء مبادرة مجتمعية يقودها الطلاب

تحديد قضية مجتمعية

جمع البيانات (استبانة/مقابلات)

تحليل النتائج داخل الصف

تصميم المبادرة ووضع أهداف واضحة

توزيع الأدوار القيادية

تنفيذ المبادرة

التوثيق الرقمي عبر Padlet أو Google Sites

تقييم أثر المبادرة وكتابة التقرير الختامي

الخاتمة

? المعلم القائد المجتمعي ليس مجرد موظف يؤدي واجبًا، بل صانع إنسان، ومهندس حياة، ومصدر إلهام.

إنه المعلم الذي يجعل المدرسة بيئة للحياة الحقيقية، ويمنح الطالب فرصة لينمو، ويقود، ويؤثر.

القاعدة الذهبية:

"المعلّم القائد المجتمعي لا يعلّم الطلاب كيف ينجحون في الامتحانات… بل كيف ينجحون في الحياة."
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/30 الساعة 21:06