الزيود تكتب: المدني يرجع لوراء'.. حين تتحول المسؤولية إلى فلسفة وطنية

د.سميرة الزيود
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/28 الساعة 22:25
شهد الأردنيون خلال الأيام الماضية واحدة من أكثر اللحظات التعبيرية عن جوهر المنظومة الأمنية في الدولة، حين دوّى صوت أحد نشامى فرسان الحق في الرمثا قائلاً: "المدني يرجع لوراء" أثناء التعامل مع خلية إرهابية تم ضبطها باحترافية عالية.

هذه العبارة، التي خرجت بصوت واثق وواضح، لم تكن مجرد توجيه ميداني، بل رسالة فلسفية عن معنى الأمن والحياة في الأردن:

إن الإنسان هو جوهر الوطن، وأن حياة المواطن ليست رقماً يُحسب، بل قيمة لا تُساوَم مهما تعاظمت التحديات.

"فرسان الحق… يقظة تسبق الخطر"

وكالعادة التي نفتخر بها دوماً، سجّل جهاز المخابرات العامة إنجازًا نوعياً بإحباط الخلية الإرهابية قبل أن تتحول تهديداً للأمن أو الاستقرار.

هذا العمل يعكس عقيدة احترافية راسخة: الاستباق بدل الاستجابة، والمعلومة الدقيقة بدل التخمين، والعمل الصامت الذي يصنع الفارق قبل أن يدركه أحد.

الأمن في الأردن لا ينتظر الحدث ليواجهه، بل يقرأ مقدماته، يفكك نواياه، ويجهضه قبل أن يصبح خطراً ظاهراً.

ومن هنا، ينام المواطن الأردني مطمئنا، مدركًا أن هناك من يحمل عن وطنه وشعبه أعباءً لا يراها أحد..

"نشامى الأمن العام… فلسفة الإيثار والواجب"

دور نشامى الأمن العام في هذه العملية كان جوهرياً ومكمّلاً لجهود المخابرات العامة، حيث أدوا واجبهم بكل تفانٍ وانضباط.

تجسدت فلسفة الإيثار لديهم في حماية المدنيين وضمان أمنهم، ليظل المواطن بعيداً عن دائرة الخطر، بينما يقفون هم في الصفوف الأمامية.

هذه اللحظات البسيطة، لكنها مليئة بالمعنى، تُظهر أن الجندي لا يتحرك أمام الخطر بدافع الشجاعة فقط، بل بدافع الواجب الأخلاقي، واضعاً حياته جسراً لعبور الآخرين إلى الأمان.

جملة "المدني يرجع لوراء" أعادت تشكيل الوعي الوطني تجاه معنى الأمن؛هي مرآة تظهر معدن الرجال الذين اختاروا أن تكون حياتهم خط الدفاع الأول عن الوطن، لتبقى حياة المدنيين في الظل الآمن.

ستظل هذه العبارة علامة مضيئة في ذاكرة الأردنيين، لأنها ترسم علاقة متبادلة بين المواطن وأجهزته الأمنية: ثقة من الناس، ووفاء من الرجال.

فالوطن لا يحيا بالشعارات وحدها، بل بحضور من يقدّمون أرواحهم ليحيا الآخرون.

المدني يرجع لوراء…

هذه الجملة لم تكن نهاية المشهد، بل بداية فلسفة وطنية: درس في الإيثار، ومقياسا للبطولة، ومرآة لمعنى الوفاء..

ستظل تُذكّرنا أن هناك من يقف أمام الخطر، لكي نعيش نحن في الأمان.

وأن الوطن لا يُصان بالكلام فقط، بل بحركة رجل، وخطوة مدني، وقلب لا يعرف التراجع أمام الواجب.

ومن موقعي كأستاذة مساعدة ومحاضرة في جامعة فيلادلفيا في مساقات العلوم الأساسية والإنسانية، من بينها مساق التربية الوطنية، ومساق القيادة والمسؤولية المجتمعية، إضافة إلى عملي مستشارة تربوية وأسرية، أرى في هذا المشهد تجسيداً حقيقياً لمعنى القيادة الأخلاقية، والالتزام الجماعي، والوعي الأمني الذي يجب أن نغرسه في كل بيت وفي كل مؤسسة تعليمية ولا سيما في ذلك الإعلام الهادف.

وللطلبة الاعزاء في مساقات التربية الوطنية والقيادة والمسؤولية المجتمعية، هذا المشهد هو درس حيّ: البطولة ليست شعارات، بل مواقف… والخدمة العامة ليست وظيفة، بل اختيار إنساني مبني على الوفاء والضمير.

ستظل جملة "المدني يرجع لوراء" محفورة في ذاكرة الأردنيين، شاهداً على أن هذا الوطن محفوظ بقلوب لا تخشى، وصدور تتقدم، وعيون تسهر، وأرواح اختارت أن تكون سدًّا منيعاً بين الشعب والخطر.

وستبقى تقول للأجيال:

هنا الأردن… هنا رجال إذا قالوا "ارجع لورا"، فهم يتقدمون بدلًا عنك..

حفظ الله الأردن الغالي،و تحية إجلال وإكبار لجهاز المخابرات العامة ونشامى الأمن العام، صامدين في الصفوف الأمامية، حماة الوطن وأمان شعبه، في ظل القيادة الهاشمية المظفرة التي أرست قيم الوفاء والتضحية.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/28 الساعة 22:25