في عهدة النواب

مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/28 الساعة 00:01

مجلس النواب الأردني مؤسسة دستورية عريقة يزيد عمرها على سبعة عقود. الأردنيون الذين يشاركون في الانتخاب لا يتوقعون الكثير من النواب. فقد علمتهم التجارب أن المجلس مؤسسة محافظة تقوم بدور تكميلي لأدوار الحكومة في إقرار السياسات والبرامج والتشريعات وأن هناك تباينا بين ما يقوله النواب في خطاباتهم وما يتخذونه من مواقف عندما يتم عد الأصوات.

من الناحية النظرية، يمكن أن يلعب المجلس دورا مهما في التشريع والرقابة وقيادة المجتمع نحو مستقبل أكثر إشراقا، فقد أتاح الدستور للمجلس أن يتقدم بمشاريع قوانين، لكن ذلك لم يحدث الا في حالات نادرة كانت إحداها تتعلق بتقاعد وامتيازات للنواب.

التقاليد النيابية والدور الهادئ لمجلس النواب الأردني لم يكون وليد الصدفة أو خيارا للنواب الحاليين، بل هو تقليد ترجع أصوله الى بدايات الحياة السياسية وظروف تشكل طبقة الحكم في البلاد، فمنذ أن تأسست الدولة في عشرينيات القرن الماضي كان المستشارون أشخاصا وذوات ينتمون الى طبقات محافظة ويرتبطون بأمير البلاد بصلات قوية يحرصون على إدامتها. وبالانتقال الى الحياة النيابية والمجالس المنتخبة في 1947 كان غالبية أعضاء المجالس التشريعية شخصيات طليعية وريادية أو قيادات وشيوخ عشائر لهم الكثير من السطوة والنفوذ في مجتمعاتهم المحلية وعلى مستوى البلاد.

في تلك المرحلة كان النواب أصحاب نفوذ وتأثير ليس بصفتهم نوابا منتخبين فحسب، بل بصفتهم شيوخ قبائل وقيادات مجتمعية مرموقة. في معان وإربد والطفيلة والكرك والعقبة ونابلس والبادية والقدس والخليل وسائر مناطق الأردن، ظلت مقاعد البرلمان محصورة وحتى العام 1989 في عدد من العائلات التي تتناوب على الزعامة من دون أدنى تفكير من المجتمع المحلي لتحدي هذه الزعامات أو التشكيك فيها.

كما اشتملت معظم المجالس على شخصيات معدودة من ذوي الفكر السياسي والإيديولوجي وبعض قيادات الأحزاب التي لاقت قبولا شعبيا واسعا في الضفتين. في جميع الأحوال كانت هذه الشخصيات تحاور وتبدي مواقفها العلنية قبل وأثناء وبعد مناقشة التشريعات والبيانات من دون أن تقفز من موقع الى آخر فحظيت بالكثير من الاحترام الشعبي والرسمي.
في العام 1989، وعلى إثر الحراك الذي انطلق من معان وانتقل الى بعض مناطق الجنوب وبعد استقالة حكومة الرفاعي والدعوة الى انتخابات عامة، تغيرت خريطة المجلس النيابي وفقدت الكثير من الزعامات التقليدية وجودها في مجالس النواب لحساب شخصيات جديدة تحمل أفكارا وإيديولوجيات وتصورات مختلفة عن الواقع والإدارة والإصلاح.
تجربة المجلس الحادي عشر لم تتكرر؛ حيث أصبحت المجالس اللاحقة مزيجا من الأثرياء الجدد وأبناء العشائر التي قررت أن تستعيد حقها في المشاركة من خلال الدفع بأبنائها الى المجالس النيابية بصرف النظر عن امتلاكهم القدرة والاستعداد والمؤهلات الكافية للقيام بالأدوار التي يتطلبها العمل النيابي.
مشروع قانون ضريبة الدخل وما صاحب صياغة مسودته وتعديلاتها من صخب وضجيج انتقل هذا الأسبوع من أيادي الحكومة الى عهدة النواب. الانتقال السريع مع قرب انتهاء الدورة الاستثنائية أثار حفيظة بعض النواب وشكل مناسبة استثمرها النواب لإعادة التواصل مع دوائرهم ومرجعياتهم من خلال ميكروفونات القبة والفيديوهات المصورة للكلمات والمداخلات التي تم تصويرها ونشرها عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
المشكلة التي يشكو منها الناس وتشكل خطرا على قيم المجتمع وعلاقاته تتعلق بالتناقض الكبير بين أقوال وأفعال النواب، فالكثير مما يقوله النواب في المناقشات للقوانين والبيانات والموازنات لا يعكس سلوكهم عند التصويت، الأمر الذي أثر كثيرا على الصورة الذهنية للنواب ومكانة المجلس ومستوى الثقة بين الشارع والمجلس.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/28 الساعة 00:01