الناصر يكتب: “صنع في الأردن”: فنّ وإبداع وثقافة عروبيّة

د. طارق زياد الناصر
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/14 الساعة 21:31
أن يحتفي “كورال هارموني عربيّ” المصريّ بذكرى ميلاد المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال بأغنية “احنا كبار البلد، احنا كراسيها”، ليس بالأمر الغريب عن المثقفين والفنّانين العرب الذين يدركون دور الأردن العروبيّ وتاريخه الكبير في المنطقة، ويقدّرون مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.

إلا أنّني، وعلى الجانب الآخر من هذه البادرة الجميلة، أقف عند القدرة الفريدة للأغنية الأردنية، ولا سيما التراثية والوطنية منها، على ملامسة الوجدان وصياغة روح المكان والإنسان في لحنٍ وكلمةٍ تحملان عمق الهوية الأردنية وتنوّعها، وتقدّمان كاتبَ النصِّ الشعريّ الوازن والموسيقيّ المبدع كمشروعٍ وطنيّ قابلٍ للاستثمار والاتساع في خدمة الهوية الوطنية الأردنية والعروبية.

فقد استطاع الفنّ الأردنيّ، ورغم انحسار المساحة الإنتاجية وضعفها مقارنةً ببعض الدول الأخرى، أن يشقّ طريق الكلمة واللحن إلى مسامع الجمهور العربيّ ببراعةٍ وإتقان، بفضل صدق أغنيته وارتباطها بالقيم التي يتبنّاها الشعب الأردنيّ مثل الانتماء والرجولة والإنسانية، بل إنّه استطاع أيضًا أن يحيي البذرةَ الأولى لاستقطابه قاماتٍ فنيةٍ عربية في بدايات العمل الإعلاميّ في المنطقة العربية، وقبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ سريعةِ الانتشار.

ومع تطوّر أدوات الاتصال الرقميّ، واتساع منصات البثّ وقنواته الإلكترونية، باتت الأغنية الأردنية الوطنية والتراثية قادرةً على إيصال صوت الأردن ورسالته إلى العالم العربيّ بمرونةٍ أكبر، حاملةً معها صورةَ الأردن وتاريخه ونبض شعبه في أوقاتِ الفخر والاحتفاء، أو في أوقاتِ التضامن والرسائل الهادفة التي تتجاوز حدود المكان وحواجزه، بل وتكسر كلَّ عراقيل اللهجات المحكية لصالح القواسم المشتركة.

إنّ إعادةَ إنتاج الأغنية الأردنية بالصوت والموسيقى العربية، وتحديدًا في الشقيقة مصر، هو مؤشرٌ أكيد على أنّنا نستطيع الاستمرار في مشروع الإنتاج الفني الأردنيّ بكفاءة، وخاصةً وأنّ لدينا في الوسط الثقافي والفنيّ العربيّ الكثير من النجوم المميّزين في هذا المجال، والذين تركوا بصماتهم الخاصة في العالم العربيّ على اتساعه.

الحقيقة أنّ الوسطين الفنيّ والإعلاميّ في الأردن عمومًا، وفي مختلف المجالات المتعلقة بإنتاج المحتوى، يملكان من الكفاءة والمهارة والتنوّع ما يمكن أن يتحوّل إلى ثورةٍ إنتاجية في هذه الصناعة؛ يجب أن تقودها مؤسسات الدولة الحكومية، مثل وزارتي الثقافة والاتصال الحكوميّ، والخاصة، مثل شركات الإنتاج الفنيّ والإعلاميّ، وبمساندة من كليات الفنون والإعلام في جامعاتنا، ليكون لدينا أغنيةٌ وفيلمٌ ومسلسلٌ موسوم بـ”صنع في الأردن”.

ولنقدّم روايتنا الفنية الشاملة وهويتنا الثقافية الحقيقية للعالم كله، وبكلّ اللغات واللهجات.

المطلوب إذن أن تتكاتف الجهود، وأن نؤمن بما لدينا من قدرات وطنية، وأن نتشارك لتقديم مشروعنا بكفاءة، ولتعزيز دورنا باقتدار، ولندعم الفنان والمثقف الأردنيّ كما يستحق، وبخطوات جادة حتى وإن كانت بطيئة، آخذين بعين الاعتبار أنّ إنتاج الفنّ والثقافة يقف أمام أيّ أولويةٍ أخرى، وأنّه في جوهره اقتصادٌ مستقلّ وأداةٌ دبلوماسيةٌ سياسية، وناطقٌ باسم الدولة وعنوانٌ لها.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/11/14 الساعة 21:31