صحافة تعمل في الفضاء

مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/25 الساعة 00:05

للصحافة والإعلام دور مهم في حياة الدول والشعوب، فهي المرآة الصادقة التي تنقل واقع المجتمع وتقدمه للحكومات والشعوب، كجزء من وظيفتها المحترمة.

في دول العالم المتحضر تحترم الحكومات وأصحاب المقامات الرفيعة، والمنازل العليّة ما يقوله أهل الإعلام والصحافة، وما يناقشونه من آراء وأفكار، حيث يعتبر الإعلامي والصحفي خبيرًا مجانيا لأصحاب القرار؛ لأنه يضع أصبعه على الجرح، ويقدم المشكلات كما هو وجهها الحقيقي بعيدًا عن كلّ وسائل التجميل والتحسين، ومعرفة حقيقة المشكلة هي بداية الحلّ، ومن ثم ربّما قدّم الصحفي حلا مقترحًا، وربّما اكتفى بطرح المشكلة فقط.

ومن جميل ما يقوم به بعض الأمم المتحضرة أنهم عندما يرون التقارير أو المقالات الصحفية التي تسلط الضوء على بعض المشكلات، فتجعلها أمام الجمهور والقادة بعد أن كانت منزوية في ركن مظلم، من جميل ما تفعله هذه الأمم أنها تقوم بالتواصل مع الكاتب وشكره على مافعل، طالبة منه المزيد إن كان لديه أقوال أخرى عزف عن التصريح بها. ثم يسيرون في اتجاه حلّ المشكلات التي قُدمت لهم.
وطالما كانت وسائل الصحافة والإعلام في الغرب سببًا في التأثير على كثير من القرارات التي تتخذها الحكومات، لذلك قيل عنها إنها السلطة الرابعة، لقوتها ونفوذها. أما الصحافة فليست سلطة فقط، فقد سميت: صاحبة الجلالة، ولهذه التسمية دلالتها.

من الأمثلة الجلية لأهمية الصحافة ودورها في التأثير عند الدول المتقدمة، ما قام به صحفيان من صحيفة (واشنطون بوست، الصحيفة الأمريكية التي تصدر في واشنطن) هما: «كارل برنستين» و»بوب وود ورد». حيث قدما تقريرا صحفيا كان حاصله أن الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين للولايات المتحدة ريتشارد نيكسون، قد قام بعملية تجسس على مكاتب الحزب الديموقراطي المنافس في مبنى (ووترغيت). فانفجرت الفضحية الكبرى في التاريخ الأمريكي وحملت اسم (ووترغيت) كان من أبرز نتائجها استقالة الرئيس نيكسون ومحاكمته عام 1974م.

ومن الأمثلة أيضًا، الصحفيّة الأمريكية إيدا منيرفا ترابيل (1857-1944م) التي تعتبر أحد أهم الصحفيين الكاشفين للفضائح، من خلال الصحافة الاستقصائية. حيث قامت هذه الصحفيّة المرموقة بتحقيق استقصائي كشفت من خلاله عن احتكار شركة (ستاندارد للبترول، أكبر شركة منتجة للبترول في الولايات المتحدة) وأنّ هذا الاحتكار كان بطريقة غير قانونية، والسر في ذلك ارتباط مصالح مالكي الشركة مع رجال السياسة، فتفاعلت المحكمة العليا مع هذه القضية وأصدرت قرارًا تاريخيًّا يقضي بحلّ الشركة عام 1911م.

أما في دول أخرى، ففي الأعم الأغلب لا أثر للإعلام أو الصحافة على الساسة وصناع القرار، فما يكتبه الصحفي لا يزيد عن كونه (كلام جرائد)، وما يقدمه الإعلامي مجرد (شو)، وكأنّ أهل الإعلام والصحافة يعملون في الفضاء الخارجي، حيث تنعدم الجاذبية، وتطير كل التقارير والتحقيقات في الفضاء الفسيح بين الكواكب والأقمار والنجوم. وهذه الحالة المستعصية ليست مضطردة في كل البلدان، وعلى كل الأشخاص، لكنها حالة عامة يمكن للإنسان أن يرصدها ولها استثناءات، فقد كتبت مرة عن أثر الإرهاب على السياحة وأثر ذلك على الاقتصاد الأردني، فبادرت وزيرة السياحة السيدة لينا عناب بتوجيه رسالة قصيرة لي عبر (الواتس آب) تشكرني على اهتمامي بالشأن السياحي والاقتصادي للوطن. وكم كانت هذه الرسالة القصيرة كبيرة عندي؛ لأنني شعرت أن مِن أهل الأرض مَن يسمع صوتي.
ويتنوع المسؤولون في العالم تجاه تقبلهم لما تقدمه الصحافة: فمن المسؤولين من يتجاوب تجاوبا كاملا، ومنهم من يتفاعل بقلبه أو دموعه فقط، ومنهم من يطنّش، ومنهم من يستحق جائزة نوبل في (التّطنيش).

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/25 الساعة 00:05