الحكومة تحتاج إلى أسنان قوية
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/24 الساعة 00:09
هل تستطيع حكومة د. الرزاز ان تدخلنا الى مرحلة اليقين السياسي؟ حقاً لا أدري، لكنني أشعر بأن الرجل وحكومته أمام تركة ثقيلة وطريق «وعر» محفوف بالتحديات والمخاطر، واستحقاقات كبيرة تحتاج لروافع «سياسية» حقيقية، وقرارات سريعة، وعيون مفتوحة على كافة الجهات.
لو افترضنا ان الاجابة لا، يمكن اذا نطرح سؤالا آخر: هل بمقدور أية حكومة قادمة أن تفعل ما يمكن ان تعجز عنه الحكومة الحالية؟ ما البديل إذن.. وأين الحل؟.
من تجاربنا مع الحكومات السابقة، يمكن ان نتلمس اجابة واحدة وهي ان المساحات التي اتيحت لها، او التي اختارتها لنفسها، عكست نسخة تكاد تكون متشابهة، وان كان ثمة اختلاف بينها في الاداء والانجاز فهو اختلاف في الدرجة لا في النوع،بمعنى ان الحكومات مهما اختلفت اسماء رؤسائها ووزرائها استندت الى مساطر ومعايير معروفة وبالتالي كانت افرازاتها ونتائجها متطابقة نسبيا مع مدخلاتها واسس تشكيلها.
لا اريد هنا ان ادخل في تفاصيل اخطاء الحكومات ( وما اكثرها..!) يكفي ان اشير الى عنوان واحد مهم، ربما كان من اهم اسباب خيبة الناس وافتقاد ثقتهم بحكوماتهم، وهو تفعيل آليات «المساءلة والمحاسبة»، ولو عدت الى ارشيف تصريحاتنا السياسية، وردود حكوماتنا المختلفة، ووعود مسؤوليتنا، ناهيك عن ممارساتنا وانجازاتنا، لما وجدت لهذه القيمةما تستحقة من ذكر، ولو حصل فمجرد اشارات عابرة لا تستند الى أي مدلول او ارادة او برامج حقيقية صالحة للتنفيذ والتفعيل.
في كل مرّة نعترف بأن ثمة اخطاء ارتكبت، وتجاوزات حصلت، وصورا من الخلل تكررت، وندعو الى تجاوزها ومعالجتها، ولكن ماذا عن الذين ارتكبوها او تورطوا فيها، هل يمكن مساءلتهم ومحاسبتهم عليها، أم أنهم يمضون الى متابعة أعمالهم سالمين غانمين، بعد ان ادوا المهمة.. وقدموا الواجب المطلوب، واستفادوا من» الجمعة «المشمشية كما يشاؤون.
لدي قائمة طويلة بممارسات مغلوطة سواء تمت في اطار منظومة الفساد او سياسات الارضاء والاسترضاء او في ظل الخوف من الابتزاز، او غير ذلك من الاسباب التي نعرفها ويجهر المسؤولون احياناً بها بعد رحيلهم، شوهت مسيرتنا في السنوات الماضية، وأجهزت - او كادت - على ثقتنا بالمسؤول وبالحكومات والمؤسسات الاخرى، وتسببت في تهشيم صورتنا لدى أنفسنا وغيرنا، وبعد ان تم اكتشافها ومعرفة مدى ما ألحقته بنا من ضرر،اكتفينا بالدعوة الى التوقف عنها، او معالجة تداعياتها، دون ان يخطر الى بالنا ضرورة محاسبة اصحابها لا لمعاقبتهم على اخطائهم تلك فقط، وانما ليكونوا - ايضا - عبرة لمن يفكر بعدهم في ممارساتها او تكرارها.
للأسف، لا استطيع ان ادخل في التفاصيل، ولكن يكفي ان اشير الى تصريحات الدكتور الرزاز المتكررة حول ملفات الفساد التي لا يمكن ان تهرب من «القانون» باعتبار ان لا احد فوق المساْلة، هذه فضيلة -بالطبع - يا دولة الرئيس ان نعترف بأخطائنا ونقوّم مسيرتنا بالنقد والمراجعة، ونستدرك ما وقعنا فيه من خلل، لكن بصراحة ما تزال «قيمة المساءلة والمحاسبة» الحقيقية والمقنعة غائبة او مغيبة عن اجندتنا، وما نزال نعتبر المخطىء شاطراً، والمتجاوز مجتهداً، والممارسات المغلوطة جزءاً من قدرنا.. فيما الحقيقة ان أية عملية اصلاحية يفترض ان تبدأ من المحاسبة كضمانة اساسية لسيادة القانون، واشاعة النظافة وتعميم قيمة الديمقراطية التي نسعى اليها.
يا دولة الرئيس: الحكومة الناعمة تحتاج الى اسنان قوية لتردع المسيئين، وتخيف المتجاوزين، وتفعّل القوانين ضد كل من يريد ان يضع الاشواك في طريقنا.. او ان يستغل موقعه ليلهط ويشفط كما يشاء، واذا لم يحدث ذلك فإن تجربتنا معك ستكون مثل تجاربنا مع حكومات سابقة..
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/24 الساعة 00:09