الشديفات يكتب: بين غياب المعايير وضياع الأرواح تتحول إنارة السيارات إلى معركة حياة أو موت

م. مؤيد الرشود الشديفات
مدار الساعة ـ نشر في 2025/09/10 الساعة 18:07
في شوارع الأردن ليلًا ، لا يمر وقت طويل قبل أن يفاجئك سائق يستخدم كشافات عالية أو أضواء معدّلة تشعرك و كأنك أمام وميض كشاف ملاعب ، لا أمام مركبة خاصة , هذه ليست مجرد إزعاجات بصرية عابرة ، بل قد تكون شرارة لحوادث قاتلة .

الإضاءة في المركبات ليست تفصيلًا شكليًا ، بل عنصر أمان أولي قد يحدد إن كنت ستصل سالمًا أم لا .

_________

لماذا الإضاءة قضية حياة أو موت؟

دراسات عالمية تشير بوضوح إلى أن ضعف أو سوء الإضاءة يزيد معدل الحوادث ليلًا بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بفترات النهار .

البنك الدولي أكد أن تحسين إنارة الطرق وحده يقلل الحوادث المميتة بنسبة 20% , و في الأردن أبحاث مرورية محلية أوضحت أن " حالة الإضاءة " متغير مؤثر إحصائيًا في وقوع الحوادث .

بكلمات بسيطة :

الليل لا يقتل ، لكن الضوء الرديء قد يفعل .

_________

ألوان الأضواء " لغة موحدة للسلامة "

الإضاءة في المركبات ليست مجرد مظهر جمالي ، بل منظومة دقيقة تحكمها قواعد فنية و تشريعية .

فالمصابيح الأمامية يجب أن تكون بلون أبيض أو أصفر موحّد ( دون خلط ) .

أما المصابيح الخلفية فتوزَّع بدقة كالتالي :

أضواء حمراء للفرامل و العرض ، برتقالية للإشارات ، و بيضاء عند الرجوع للخلف .

أما أنماط الشعاع فلكل منها وظيفة محددة ؛ الشعاع المنخفض مخصص للاستخدام اليومي في ساعات النهار أو فترات الشروق و الغروب ، بينما يُستخدم الشعاع العالي في الطرق المظلمة شريطة عدم توجيهه نحو المركبات القادمة ، لما قد يسببه من انبهار بصري خطير قد يتحول إلى حادث لحظي .

بهذا المعنى ، الألوان و أنماط الإضاءة ليست تفصيلًا ثانويًا ، بل " لغة إلزامية " للسلامة يفترض أن يلتزم بها السائقون والموردون على حد سواء .

_________

التكنولوجيا تسبق , و القانون يتأخر

دخلت مصابيح الليد (LED) والزينون والليزر إلى السوق الأردني بسرعة لافتة, و أصبحت خيارًا مغريًا لكثير من السائقين لما تمنحه من سطوع قوي و لمسة عصرية.



غير أن هذه المزايا قد تتحول إلى خطر حقيقي إذا لم تُضبط بالشكل الصحيح ، فالإضاءة المفرطة قادرة على " إبهار السائق المقابل و إفقاده التركيز في ثوانٍ " ما يرفع احتمالية وقوع الحوادث.

قانون السير الأردني يعالج المسألة جزئيًا ، إذ يجرّم أي إضافات ضوئية تُركّب بعد البيع , مثل :

( الكشافات أو الأشرطة أو الفلاشات ) , بل و يمنح السلطات حق حجز المركبة 48 ساعة حتى إزالة المخالفة.

لكن المشكلة تكمن في أن القانون لا يضع معايير تقنية دقيقة لشدة الإضاءة أو حرارتها اللونية أو شكل توزيعها ، على عكس لوائح الأمم المتحدة ، (UNECE) التي تحدد أرقامًا صارمة في هذا المجال .

أما المواصفات الأردنية الحالية فهي قديمة نسبيًا و لا تواكب التطور التكنولوجي في المصابيح الأمامية ، الأمر الذي يخلق فراغًا تشريعيًا تستغله منتجات عشوائية و منخفضة الجودة تغزو السوق بلا رقابة فعالة .

_________

تفاصيل هندسية لا يعرفها الكثيرون

السائق العادي قد لا يدرك أن لكل سيارة مقاسات محددة لللمبات مثل :

H4 أو H7 أو H1

و أن تركيب لمبة غير مطابقة قد يشتت الشعاع و يضاعف الخطربأضعاف مضاعفة .

الفحص الدوري للإضاءة ليس رفاهية ، بل شرط للسلامة .

كما أن المصابيح يجب أن تكون بارتفاع و زاوية محددة لتضيء الطريق لا أعين المارة و السائقين الآخرين .

الألوان المسموحة محددة ( الأبيض أو الأصفر في الأمام، الأحمر أو البرتقالي في الخلف )

أي كسر لهذه القاعدة يربك السائقين و يزيد الحوادث .

_________

الحاجة إلى تشريع يواكب العصر

إذا كان قانون السير الحالي يكتفي بتجريم الإضافات الضوئية غير المرخصة ، فإن الواقع المروري اليوم يفرض مقاربة أوسع وأعمق .

لقد آن الأوان لطرح تشريع جديد يضبط منظومة السلامة المرورية ككل ، و يضع معايير تقنية دقيقة تخص الإضاءة على وجه الخصوص .

قانون يستند إلى المواصفات الأممية ، و يحدد بالأرقام الواضحة من :

- الكندلا لشدة الإضاءة إلى درجات اللون و نمط الحزمة

( و ما هو مسموح وما هو ممنوع ) .

حينها فقط يصبح السوق منظمًا ، و السائق أكثر وعيًا ، و الطريق أكثر أمانًا .

_________

الخلاصة واضحة :

إنارة المركبات ليست تفصيلًا ثانويًا و لا رفاهية تقنية ، بل عامل حاسم بين الحياة و الموت .

الطريق الأردني اليوم يعيش سباقًا بين التكنولوجيا المتسارعة و التشريع المتأخر، و حسم هذا السباق يبدأ بقرار قانوني شجاع يضع حياة الناس أولًا .

فهل من مستجيب !
مدار الساعة ـ نشر في 2025/09/10 الساعة 18:07