الحبّ والمُلْكُ يتصارعان في الغرب
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/16 الساعة 01:29
ربما يحلم فريق من البشر أن يصل إلى أعلى مراكز الحكم، لمَا في ذلك من الجاه والمال والسلطة، وهو حلم مشروع إذا كان طريقه مشروعا ضمن الشرع والقانون. ومن وصل إلى تلك الغاية، يصعب عليه جدا أن يترك ذلك المكان الذي جلس فيه من تلقاء نفسه، وربما لا يستطيع أحد من البشرأن يزيحه عن مكانه، لذلك توكل هذه المهمة إلى ملك الموت فقط.
لكنْ قدّم لنا بعض الناس نموذجا يخالف المتوقّع، فقد تيسرت لهم السبل للوصول إلى كرسي العرش وبالطريق المشروع، لكنهم تنازلوا عن حقهم في حكم البلاد والعباد مقابل حبيب اختاروه ليكملوا معه بقية حياتهم، لينعموا معه بسلام الحب بعيدا عن الحكم ومشاكله، ربما يخيّل للبعض أن هذا ضرب من المستحيل، والحقّ معهم، لكنّ وجودَه وحصوله أكبر دليل على الإمكان لا الاستحالة.
من هذه النماذج الفريدة الملك إدوارد الثامن، ملك بريطانيا، وعمّ الملكة الحالية، ففي الثلاثينات من القرن الماضي أحبّ امرأة أميركية طُلّقت مرتين، هي (والاس سيمبسون) وأراد الزواج منها، وفي هذا الزواج مخالفة صريحة للدستور الملكي البريطاني وبرتوكول زواج أصحاب العرش الذي لا يسمح للملك العازب بالاقتران من مطلقة. أصر الملك إدوارد الثامن على عدم التنازل عن المرأة التي أحبها، مع رضاه بالتنازل عن العرش من أجل استكمال زواجه بها، وبالفعل تنازل عن عرش البلاد، لتتربع محبوبته على عرش قلبه، وذكر إدوارد في مذكراته أنه عاش معها سعيدا طيلة 35 عاما. لقد انتصر الحب على الرئاسة والزعامة، فليس الجاه الطريق الوحيد لتحقيق السعادة، بل هناك طرق أخرى أهمها الحبّ.
والقصة الثانية من هولندا، وبطلها الأمير يوهان فريسو، الوريث الثاني لعرش البلاد، الذي أحبّ (مابل سميث) التي اعترفت أنها كانت على علاقة عاطفية سابقة، ممّا يشكل عقبة أمام الأمير الوسيم، ولا يمكّنه من الحصول على موافقة الحكومة والبرلمان على زواجه، وهذه الموافقة ضرورية لمن يكون مؤهلا لتولي العرش. لكن في 2003م أرسل الأمير يوهان رسالة إلى رئيس الوزراء يخبره فيها عزمه على إتمام زواجه من محبوبته، وتخليه عن حقه في وراثة العرش. فهذه الرسالة تنتصر للحب الذي تجاوز العرش والمُلك. ومن العجيب أن توفي الأمير فريسو عن 44 عاما، جراء تدهور حالته الصحية نتيجة لنقص الأوكسجين عقب حادث التزلج الذي أصيب به في 17 فبراير/شباط 2012. فقد وصل لمحبوبته، وفاز بوصلها، ولو لم يفعل هذا ربما خسر المحبوبة والعرش معًا، إذ لم يكن القدر سيسمح له بالوصول إلى العرش.
ومن بلجيكا قصتنا الثالثة، فقد أحب وريث عرش بلجيكا الأمير أميديو الصحفية الإيطالية اليزابيتا، ورغب في الزواج منها، فكان لا بد له أن يحصل على موافقة عمه الملك فيليب على ذلك، ولكنه لم يأبه لتلك الأظمة والقوانين، وتزوج محبوبته الإيطالية في 2014، وتنازل عن حقه في وراثة العرش.
ومحطتنا الأخيرة في اليابان، حيث قررت الأميرة (ماكو) أكبر أحفاد الإمبراطور (أكيهيتو) الزواج من زميل دراستها السابق، (كي كومورو) الذي يعمل في مكتب للمحاماة في طوكيو، ودفعت ثمنا لاختيارها هذا أن تنازلت عن لقب أميرة وفقا للدستور الملكي.
هكذا هو طوفان الحب، يغرق كل الألقاب والمراكز، ولا تصمد أمامه كل زخارف الدنيا وزينتها. التنازل عن العرش والألقاب في سبيل حبّ الإنسان لللإنسان، أمر واقع وليس من ضرب الخيال أو الأحلام. فكيف بحبّ الإنسان لله خالقه ورازقه، ومحييه وممييته، أليست محبة الله أولى وأحسن وأجمل؟
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/16 الساعة 01:29