جماليات دينهم
(جماليات دينهم) كان هذا عنوان المبادرة التي استضافها مشكورًا المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الذي يديره الأب الدكتور رفعت بدر، وقصة هذه المبادرة: أنني مع زميلين عزيزين هما الدكتور عبد الفتاح السمان، والأستاذ محمد نصرو أردنا أن نقوم بمبادرة يجتمع من خلالها مجموعة من الشباب والشابات المسلمين والمسيحيين، على ألا يكونوا من القيادات الدينية، ليتحدث كل واحد منها عن قصة له مع شخص يخالفه في دينه، فيتحدث المسلم عن موقف إيجابي حصل له مع مسيحي والعكس. والهدف أن نركز على الإيجابي في الآخر، لنصل إلى رسالة مفادها نحن شعب واحد، ومجتمع واحد، وأمر الاعتقاد مكانه القلب، ولا ينبغي أن يفسد حياة الناس، لأن عندهم من الأخلاق والصفات الجميلة ما عند الآخر، وقد عرضت الموضوع على الأب رفعت بدر، فرحب بالفكرة، وتعاون معنا لإنجاحها؛ لأن بعضا من وسائل الإعلام تعودت أن تحشوَ الأدمغة بما هو سلبي عن الآخر، ونحن نحب أن نرى ما هو إيجابي.
كنت أول المشاركين بهذه التجربة، وذكرت للحاضرين أنني عندما كنت أدرس في دمشق، كانت الكتب الجامعية تحتاج إلى تجليد، وكان يصرّ على تجليدها بالمجان، شابة مسيحية أرمنية من جيراني تسمى (سيلفا).
لكل واحد فينا تجربته الخاصة التي إن استحضرها سيشعر بارتياح تجاه الآخر، فما يجمعنا من مشترك إنساني وأخلاقي كبير جدا، ويتفوق على ما يفرقنا.
تحدث أخي الأستاذ محمد نصرو عن تجربته الخاصة التي من ضمنها أنه كان يسكن بجوار أسر مسيحية فإذا جاءت الأعياد وتم توزيع الهدايا لم يكن يُستثنى منها على الرغم من أنه مسلم، مما ترك أثرا طيبا في نفسه.
تحدثت بعض المشاركات المسيحيات وبيّنت أن أهلها كانوا يتركونها عند أسرة مسلمة أثناء ذهابهم إلى العمل، وكيف أنهم كانوا يعاملونها معاملة حسنة، مما أكسبها ودهم إلى هذه اللحظة، وهي تحرص على زيارتهم على الرغم من مرور السنين الطوال.
وتحدث أحد المشاركين المسيحيين كيف أن جاره المسلم يدعوه في أول يوم في رمضان على طعام الإفطار، وأنه يهديه المعمول في عيد الفطر، ومن لحم الأضحية في عيد الأضحى. وهو يبادله ذات الشيء في المناسبات المسيحية.
وجدنا قصصا كثيرة ومثيرة عن الصدق، والأمانة، والإخلاص، والاحترام المتبادل، والإحسان، وكلها معاني دينية عظيمة، نعرفها من أنفسنا، لكننا تعرفنا عليها عند غيرنا.
ربما قلة الاختلاط بين أتباع الديان قد بنت حواجز ضخمة بينهم، وجعلت كل واحد ينظر للآخر على أنه من كوكب آخر، أو من عالم مختلف. لكن إن دقق وحقق سيجد أنّ المعاني الإنسانية والأخلاقية المشتركة بينه وبين الآخر أكثر مما يظنه أو يتصوره.
إذن كان هذه هي البداية فقط، لأول مرة يجتمع الشباب والشابات من دينين مختلفين، لا ليتحدث كل واحد عن دينه بل ليتحدث عن أشخاص من دين آخر، له معهم موقف إيجابي. ومن خلال الإيجابية يحترم الإنسان الآخرين، ويشعر تجاههم بالارتياح والطمأنينة، وتزول المخاوف من قلبه أو عقله.
آمل أن تكرر هذه المبادرة في المدارس والجامعات والمراكز الشبابية المختلفة، فبغير الالتقاء والتحاور لن ننعم بالأمن والسلم الأهليين، ولن نتمكن من معرفة الآخر كما هو وعلى حقيقته. وليكن اللقاء السابق شرارة الانطلاق نحو التكاتف والتعاضد المجتمعي، ونحو التعاون لبناء هذا البلد والمحافظة على مكتسباته.
علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لنجلس مع من خالفنا، وأن نملك الشجاعة لنتحدث عن موقف إيجابي رأيناه منه، أو عشناه معه، وعندها سنكوّن مجتمع الشجعان الآمِن.
الدستور