مشاهد من واقعة البلقاء.. بين مشهدين

مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/11 الساعة 23:43
استعرضت في مقالات سابقة, بعض المشاهد القاتمة من شريط واقعة البلقاء، وهي المشاهد التي عمل أصحابها من حيث يدرون أو لا يدرون, على التّخفيف من وهج الإنجاز المبهر لدائرة المخابرات العامّة, مسنودة من قواتنا المسلّحة وأجهزتنا الأمنية الأخرى. وإذا كان الجهل وغياب الحرفية وسطحية الثّقافة عذراً لبعض المختبئين وراء العوالم الافتراضيّة, ممثلة بوسائل التواصل الاجتماعي, ممن وقعوا في فخاخ الغرف السّوداء فصاروا يرددون إشاعاتها دون تمحيص, في سعيها المحموم للتّخيف من وهج إنجاز مؤسساتنا الأمنية, فإنه لا عذر لإعلامي محترف بأن يقع فريسة الإشاعة, فيرسم مشهده للواقعة تحت تأثير هذه الإشاعة ويبني تقريره أو تحليله على أساسها, والأبشع من ذلك أن لا ينبري الإعلامي المحترف إلى أداء واجبه المهني, من خلال الارتفاع إلى مستوى الحدث من جهة, وإلى الاقتداء بحرفية ومهنية دائرة المخابرات العامّة وسائر الأجهزة الأمنية في أدائها لواجبها الوطني من جهة ثانية. كثيرة هي الأدلة, على غياب المهنية لدى نسبة عالية من الذين يتصدّون للعمل الإعلامي ورسم مشاهد الأحداث في بلدنا, من ذلك على سبيل المثال: أن كثيرين منهم يعودون في كل حدث كبير يقع في بلدنا كواقعة البلقاء إلى أرشيف مؤسساتهم, فيخرجون منها صفحات يعيدون نشرها كما هي, مع تغيير لاسم المناسبة أو الحدث, ولعل هذا سر من أسرار تكرار الكثير من الأسماء في هذه المناسبات, ناهيك عن الأسماء الوهمية التي تنسب إليها مواد صحفية حول المناسبة محل التغطية. تكرار الأسماء ليس حكراً على الإعلام المكتوب, لكنّه يمتد إلى الإعلام المسموع والمرئي, فالقارىء والمستمع الأردني يكاد يحفظ أسماء بعينها تظهر في كل المناسبات, لا فرق بين مناسبة عيد استقلال أو حدث إرهابي أو قضيّة اقتصادية, وهذه ظاهرة خطيرة, ليس لأنها تدل على أن الإعلامي لا يحترم مهنته, وليس لأن الكثيرين من الذين يظهرون في وسائل الإعلام لا يحترمون عقول المشاهدين عندما يتحدثون في كل مناسبة, ليس لذلك فقط, بل لأن هذا التّكرار للأسماء, الذي يصحبه تكرار للكثير من الجمل والعبارات الإنشائية, يُفقد المناسبة معناها وأبعادها الحقيقية. فإذا أضفنا إلى تكرار الأسماء والعبارات حجم المادّة المقروءة, حيث غالباً ما تزيد في هذه المناسبات عن الصّفحة, وكلنا يعرف أن القارىء لم يعد يحتمل قراءة المواد الصّحفية الطّويلة, مما يعني أن الكثير من الكلام المنشور لا يترك أثراً, وهو ما ينطبق تمام الانطباق على البرامج المرئيّة والمسموعة التي تتحول في مثل هذه المناسبات إلى منابر خطابة, يختلط فيها الغث بالسّمين, بل يضيع القليل من السّمين بالكثير من الغث, إذا أضفنا ذلك كله إلى المشهد الوطني عرفنا لماذا تأتي المشاهد التي يرسمها هؤلاء مشاهد باهتة, ليس فيها وهج أداء أجهزتنا الأمنيّة, وعرفنا لماذا تتوه بوصلتنا الإعلامية, وتصبح أجهزتنا الإعلامية بلا تأثير, ويهرب منها النّاس إلى مواقع التّواصل الاجتماعي حيث تنشط الغرف السّوداء والذّباب الإلكتروني, وكذلك الجيوش الإلكترونية, وتتمدد في الفراغ المهني للكثير من الإعلاميين, الذين فاتهم أن التّأثير ليس بطول المواد أو بعدد ساعات البثّ الإذاعي أو التلفزيوني, لكن التأثير بالمضمون, وأعتقد بأن أدائنا الإعلامي لم يرتفع إلى مستوى أداء أجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلّحة وحرفيتهما, خاصة وأن آخر ما يهتم به إعلامنا هو المضمون والمهنية, لذلك يأتي الفرق واضحاً بين المشهد المتوهّج الذي يصنعه نشامى الأجهزه الأمنية وبين المشهد الباهت الذي يرسمه الإعلام. الرأي Bilal.tall@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/11 الساعة 23:43