الأردني الذكي (د. أحمد العمري نموذجا)
أ.د. أمل نصير
كتبت من قبل عن أردنيين مغتربين، وعما حققوه على ضفاف الغربة من نجاحات نفخر بها، وتساءلت يومها عن الأفضل لمستقبلهم؛ هل يكون بالعودة إلى بلادهم، وخدمة وطنهم، أم البقاء في مواقع نجاحهم، وخدمة بلادهم من هناك؟
أدهشني ما بثتّه قناة الجزيرة عن طبيب أردني درس في مدارس حكومية في بلدة دير يوسف الإربدية، وتخرج في جامعة العلوم والتكنولوجيا، نعم أدهشني د أحمد العمري، وربما أدهش كل من شاهد الحلقة، ظهر ذلك جليا في التعليقات الكثيرة على وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة.
تذكر د أحمد من مواهب الطفولة المطالعة؛ وهل كانت المطالعة، إلا أولى خطوات التعلم والإبداع؟
يبدو أن أحمد انصاع للقوانين والرغبات غير المحكية للأسرة والمجتمع، فدرس الطب، ورغم قلقه من صحة اختياره إلا أنه أصر على النجاح، فكان له ما أراد، وحقق الإنجاز تلو الإنجاز بدعم من أساتذته والعاملين معه في أمريكا، حيث الفرص لكل مجتهد، والعدالة دون النظر إلى الأصول. لاحظ هؤلاء ذكاءه، وإصراره على النجاح، فعظموا طموحه، وأعطوه الفرصة، وصبروا عليه، وساعدوه كثيرا، فتحول من صفة طبيب بلا خبرة إلى الأردني الذكي.
لم تمنعهم أصوله العربية وعقيدته من مدحه وإعطائه ما يليق به، فالفرق الكبير بيننا وبينهم إنهم يدعمون الكفاءات، ونحن نهشّمها؛ هذا ما أجمع عليه كثير من المعلقين على حالة أحمد العمري!
قال فيه أساتذته: شخص متميز للغاية، وعبقري، ومتعاطف مع مرضاه، ومهاراته عالية، وقال آخر: باحث بارع وجاد وذكي وصبور يعمل بلا كلل.
اكتشف أحمد كثيرا من الأمراض، وأدت بحوثه إلى تبسيط الإجراءات، والتخفيف على المرضى، وإدخال أساليب جديدة، ووضع بروتكولات علاجية على مستوى العالم، أبدع وثابر حتى وصل للعالمية، واخترع كثيرا من النظريات العلمية في مجال الأوعية الدموية والشرايين، وغيّر في طرق العلاج التقليدية التي لم تتغير منذ قرن.
عرّف به مقدم برنامج (مغتربون) قائلا: طبيب أردني نابغة عبقري يرأس قسم الأشعة في مستشفى بوسطن الأمريكية، كُرّم مؤخراً من قبل الجامعة بمنحه كرسي "دراسات بوروز" لتشوهات الأوعية الدموية مدى الحياة، وكان قد شغله قبله مرشح لجائزة نوبل توفي فجأة، فتُرك شاغرا مدة سنة إكراما له، ولعدم ثقتهم بوجود من يستطيع ملأه حتى التحق بالمستشفى د احمد العمري، فوجدوه الوحيد الذي يليق به.
قال د أحمد عن نفسه: "أنا وإن كنت فشلت في حفظ المطوّلات من الأسماء والأرقام التي لا ترتبط في دماغي بشيء، إلا أني أخيرا وجدت ما يمكن أن يستثير طاقة دماغي ويسخرها في عمل يمكن أن يكون مهماً بعد أن انتقلت إلى مستشفى أطفال بوسطن، وأكملت سنتين من التدريب فيه، وتفاجأت يوماً بعرض الإدارة علي وظيفة اختصاصي وعضو هيئة تدريس في هارفارد؛ إذ لم أكن حاصلا على أي شهادة تؤهلني لهذا، ولم يكن لدي أيا من "البوردات الأميركية"، ولم أكن مؤهلاً لها.
...كان انضمامي إلى مركز تشوه الأوعية الدموية نقطة تحول أخرى في حياتي، فقد صرت أجلس إلى جانب علماء أسسوا التخصص، ويعرفهم العالم.
بدأت رحلتي مع البحث مع هؤلاء المرضى كما لو كنت مخلوقا لهذا الغرض، ولم أكن أرى أمامي سواهم وإصاباتهم البليغة، وقد قضيت آلاف الساعات أعمل على أجسادهم المريضة في وسط هذه "المعركة"، كانت هناك نجاحات باهرة، لكن شابها أيضا بعض الإخفاقات المتتالية إلا أنها لم تثن عزيمتي عن الاستمرار قط.
كل مريض هو معركة يجب كسبها بأي طريقة، حتى لو فشل كل ما هو معروف في الطب، عندها، يحدث تلقائيا أن يتم اكتشاف أمراض جديدة وتسميتها، واستبدال القوانين الطبية البالية بأخرى جديدة مختلفة تماماً، وتغيير الأسماء الطبية غير الدقيقة، وتصميم تقنيات علاج جديدة، وتحوير القديم منها ليصبح أكثر أمانا وفاعلية، وستغير ممارسة الطب في مجالك، ويتبعك العالم في هذا!
عندما تمتلك المعرفة والخبرة والدافعية، تتفتح لك آفاق لم تكن تعلم بها، وتعجز العقبات أمام تقدمك؛ حاصدا إنجازات كنت تعتقد أنها حكر على من قرأنا أسماءهم في كتب الطب. ولا ريب عندي أن هذا في مقدور الكثير من شبابنا الطموحين الذين قد لا يعلمون عما يمكنهم إبداعه!
رغم ما قد يحيط بك الآن من مثبطات وعوائق وشكوك حول قدراتك الشخصية، فإن ثمة مكانا ما في هذا العالم الفسيح قد يمنحك الفرصة؛ لتكتشف ما أنت قادر على الإبداع فيه، فلدينا من القدرات ما قد يفشل في مكان، لكن ربما نبدع في مكان آخر لكن لا يجوز التوقف في منتصف الطريق، ولا تغيير وجهتك.
أبناؤنا في الخارج ثروة نفخر بها، فبلاد الغربة احتضنتهم وأعطتهم ما يستحقون، فتكشّف ذكاؤهم، وظهرت إبداعاتهم، ولعل الاستمرار هناك يغني حياتهم، وإن مكارم أخلاقهم وعطاءهم ستصل إلى بلادهم ومواطنيهم بلا شك، فمن يصل من بيننا إلى هناك سيأخذ بلا ريب عددا منا معه.
amalnas@yu.edu.jo
وهذا رابط الحلقة لمن يرغب برؤيتها
https://www.facebook.com/hassan.altarazi/videos/pcb.10156341030098361/10156341021473361/?type=3&theater