المهيرات تكتب: حين يصمت الجميع.. الأردن يتقدم الصفوف لدعم غزة

الدكتورة رنا محمد المهيرات
مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/10 الساعة 14:31

في زمن المواقف الرمادية والصمت المُطبق، يخرج الأردن كعادته من بين الركام، حاملاً شرف الموقف ووضوح النية. ليس هذا جديدًا على بلدٍ لم يعرف يومًا التخاذل عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين. بينما انشغل البعض بتبادل الاتهامات أو الوقوف على الحياد المزعوم، كانت القوافل الأردنية تعبر الحدود، تنقل الغذاء والدواء والكرامة إلى أهل غزة المحاصَرين.

هذا التحرك ليس عفويًا ولا محدودًا، بل نابع من توجيهات مباشرة من جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي ما فتئ يؤكد في كل محفل دولي أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأردن، وأن دعم الشعب الفلسطيني واجب لا يمكن التخلي عنه. ومنذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة، كان الملك في صدارة التحركات السياسية والإنسانية، ساعيًا لإيقاف نزيف الدم، وضاغطًا بكل ثقله الدبلوماسي لتأمين الممرات الإنسانية.
ولم تكن مواقف جلالة الملك مجرد كلمات في خطابات، بل تجسدت على الأرض. من خلال تسيير قوافل المساعدات، وتوجيه القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي لإقامة المستشفيات الميدانية، وإرسال الكوادر الطبية، ومواصلة الدعم رغم كل التحديات اللوجستية والأمنية.
وسط كل ذلك، انتشرت الشائعات: “لم تصل المساعدات”، “هناك تقصير”، “الأردن غائب”… لكن الحقيقة أقوى من التشويه. فصور الدعم الأردني على الأرض، وشهادات الغزيين أنفسهم، كشفت كل تلك الادعاءات الزائفة، وأسقطت الأقنعة.
ولم تكتفِ القوافل الأردنية بحمل الغذاء والدواء، بل تخطّت حدود الدعم العاجل إلى دعم مستمر ومستدام. المستشفيات الميدانية الأردنية المنتشرة في غزة ليست مجرد خيام إسعاف، بل نقاط أمل، تعمل ليلًا ونهارًا تحت القصف وفي أصعب الظروف. أطباء أردنيون تركوا خلفهم عائلاتهم، وودّعوا أبناءهم على أبواب المطار، ليكونوا في قلب الميدان، يعالجون الجرحى، ويضمدون الجراح، ويخاطرون بحياتهم كما لو أن كل طفل في غزة هو طفلهم.
ولأن الجوع لا ينتظر، حملت القوافل مخابز متنقلة تعمل على مدار الساعة، لتأمين الخبز اليومي للناس وسط الانهيار الكامل في الخدمات. هذه ليست مجرد مساعدات، بل شريان حياة حقيقي.
ولا يمكن الحديث عن هذه الجهود دون التوقف عند الدور الإنساني للملكة رانيا العبد الله، التي لم تتردد في التعبير عن ألمها وغضبها مما يتعرض له أطفال ونساء غزة، وكانت صوتًا عربيًا صادقًا في المحافل الدولية، تنقل المأساة بلغة الأم والضمير، لا بلغة الدبلوماسية المجاملة.
هذا هو الأردن… لا يتردد، لا يتأخر، ولا يتخلّى. رجالٌ على الأرض، وقرارٌ سياسي لا يعرف المساومة حين تكون كرامة الأشقاء على المحك.
وإن كانت هناك من يشكك، فليذهب إلى غزة ويسأل من أنقذ حياتهم، ومن أرسل لهم الدواء والغذاء حين ضاق بهم العالم. لن يحتاجوا إلى قراءة بيان… سيشيرون إلى الأردنيين ويقولون:
“هؤلاء لم يخذلونا.”

مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/10 الساعة 14:31